مليار ونصف دولار بانتظار المراسيم التشريعيّة: الحشيشة أولى خطوات نهضة الإقتصاد؟
على الرغم من إقرار قانون زراعة القنب الهندي منذ عامين تقريباً في مجلس النوّاب، إلاّ أنّ القانون لا يزال يحتاج إلى مراسيم تطبيقيّة لتنفيذه، والذي إن حصل قد يكون قادراً على إدخال حوالي المليار والنصف دولار لخزينة الدولة اللبنانية.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
عاد ملفّ القنب الهندي إلى الواجهة من جديد، وهذه المرّة من بوابته العريضة، بعد أن وقّعت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي” إتفاقية مع الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، الشهر الجاري، بتاريخ 5 أيار 2023، لإنجاز دراسة مشتركة عن الجدوى الإقتصادية لزراعة القنب الهندي المخصص للأغراض الطبية والصناعية في لبنان، برعاية وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل. حيث رأى البعض أنّ زراعة القنب الهندي يمكن أن تكون فرصة للحفاظ على استدامة ربحية خزينة الدولة ورفدها بالموارد المالية الضرورية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد. علماً أنّ هذه الخطوة كانت قد أوصت بها شركة “ماكينزي” لبنان، كمصدر رئيسي لرفع إيرادات الدولة. إلاّ أنّ البعض يتخوّف من أن تتعرّض زراعة القنب الهندي، للإحتكار على غرار غيرها من موارد الدولة، وبالتالي تبوء محاولة زيادة إيرادات خزينة الدولة، بالفشل.
نوعان للحشيش
تعرف نبتة الحشيش باللغة اللاتينية بإسم «Cannabis sativa»، وهي تعني الضوضاء التي تصيب متعاطيها بعد وصول المادة المخدّرة إلى ذروة تأثيرها. ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقّة من الكلمة العبرية شيش وهي تعني الفرح نظرًا إلى النشوة التي يشعر بها المتعاطون، وتعرف هذه النبتة باللهجة المحكيك في لبنان بإسم الحشيشة.
من الضروري الإشارة إلى أن هناك نوعين من نبات القنّب هما القنّب العادي والقنّب الهندي، حيث يصعب عادة التمييز بينهما. والقنب نبات برّي حولي معمّر، يزرع بالبذور وينمو إلى شجيرة يراوح طولها بين 1 و2.5م. أوراقه طويلة الشكل وخفيفة تتجمّع على شكل مروحة، أمّا أزهاره فهي صغيرة الحجم خضراء اللون وذات غلاف زهري. والقنّب ثنائي المسكن وهذا يعني أن هناك نباتات مذكّرة وأخرى مؤنثة. تنتج النبتة المؤنّثة البذور التي تختزن مادة راتنجيّة تتميّز بإحتوائها على أكبر نسبة من المخدّر وتسمّى «tetrahydrocannabinol»، أمّا النبتة المذكّرة فتحتوي على البذور ولكنّها لا تنتج المادة الراتنجيّة كالأنثى، لذلك فإن أجزاءها لا تحتوي إلا على نسبة قليلة من المادة المخدّرة. يزرع القنّب لأليافه القويّة التي تستخدم في صناعة الأوتار والحبال كما لإستخراج المواد المخدّرة بأشكال مختلفة.
لبنان ثالث أكبر مصدّر للحشيش
تتركز زراعة الحشيش في لبنان في سهل البقاع، وتنتشر في كلّ من منطقة: شعث، الحدث، إيعات، دير الأحمر، الكنيسة، كفردان وطاريا. فقد اشتهرت منطقة بعلبك–الهرمل بهذه الزراعة لطبيعتها ومناخها وتربتها منذ أواسط العام 1920. ولم تتمكّن الدولة اللبنانيّة من ضبط هذه التجارة على الرغم من كلّ محاولات قوى الأمن لتلف المحصول في كلّ عام. بحيث كانت القوى الأمنية تتلف سنويًا ما بين 1000 و6500 هكتار من الحشيشة في مجمل قرى بعلبك – الهرمل. ويعدّ لبنان ثالث أكبر مصدر للحشيش في العالم بعد المغرب وأفغانستان وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، على الرغم من أن زراعته محظورة ويعاقب عليها القانون اللبناني بالسجن والتغريم المالي. ويفيد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة، أن لبنان كان خلال فترة الحرب الأهلية المصدر الرئيس للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وكان ينتج سنويًا ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طنًا من الأفيون المكوّن الأساسي للهيرويين.
وكان البرلمان اللبناني قد أقر في جلسته التشريعية التي عقدت في شهر نيسان من العام 2020، قانون زراعة القنب الهندي (الحشيش) لأغراض طبية. إلاّ أنّ العمل لم يبدأ بعد بهذا القانون.
مليار ونصف دولار مدخول لبنان من القنب الهندي
وفي هذا الإطار قال رئيس لجنة الزراعة النائب أيّوب حميد في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إنّه ” وعلى الرغم من إقرار قانون زراعة القنب الهندي منذ حوالي العامين في مجلس النوّاب، إلاّ أنّ القانون لا يزال يحتاج إلى مراسيم تطبيقيّة لتنفيذه”، مشيراً إلى أنّ “الدراسات الموضوعية والعلميّة أفادت بأنّ لبنان وبفضل هذا القانون، قد يكون قادراً من جهة على ضبط آفة المخدرات المضرّة للمجتمع ومن جهة أخرى على إدخال حوالي المليار والنصف دولار لخزينة الدولة اللبنانية. إلّا أن هذه الآمال تبقى معلّقة بانتظار أن يكون هناك مراسيم تطبيقيّة”.
وشدّد حميد على أنّ “القنب الهندي هو غير الحشيشة، ويستعمل في علاج بعض الأمراض المستعصية، وبات مشرّعاً في معظم الدول الأوروبيّة ودول العالم. فيما بعض من يمتهن هذه المهنة يعتبر أنها باب دخل ثابت له. على الرغم من أنّ المزارع هو أقلّ الناس استفادة. وإذا ما شرّعنا هذه الزراعة نكون قد قضينا على السمعة السيَئة التي تطال لبنان جراء زراعة الحشيشة بطريقة غير شرعيّة من جهة، وساهمنا في إدخال المزيد من الإيرادات إلى خزينة الدولة من جهة أخرى، وقضينا على آفة سامّة تضرب المجتمع. حيث أنّ الدولة بحاجة إلى استثمار كلّ مواردها”.
وعن خوف البعض من أن يتمّ احتكار هذه الموارد يجيب بأنّه “وبداخل القانون هناك إيجابيات مطلقة لإدارة هذا المرفق الجديد، حيث يفرض إنشاء مجلس إدارة يضاف إليه مهامه وصلاحياته يمنع الاحتكار”.
زراعة القنب الهندي سلاح ذو حدّين
من جهته لفت عضو لجنة الزراعة النائب الياس جرادة في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إلى أنّه “علميّا، وحول العالم، تستخدم هذه الزراعة لأغراض طبيّة، وهذا الاستخدام مشرّع ومقونن. إلّا أنّه وفي لبنان هناك العديد من الهواجس التي تترافق وهذه الخطوة. أوّلها، هل الوضع في لبنان يسمح بتفلّت هذه الزراعة من معاقلها بحجّة الأمور الطبية؟ فإذا تفلّتت من معقلها في ظلّ عدم وجود قوانين كيف يمكن السيطرة على الاستخدام المرجو منها؟”
وتمنّى جرادة أن “نصل إلى وضع أمني واجتماعي وسلطة مستتبّة، إنّما تشريع زراعة الحشيشة في ظلّ الوضع الأمني المتفلّت، والتهريب الحاصل، والوضع الاقتصادي المنهار، لن يؤدّي إلّا إلى المزيد من السرقة والهدر”.
ورأى في الخطوة “فائدة كبيرة قد تعود لصالح بعض المناطق النائية، وتنمّيها، وتؤمّن لها دخلاً شبه ثابت، واستقراراً اقتصادياً واجتماعياً. ولكن يجب مقاربة هذا الملف بحذر، مع فرض إجراءات رقابيّة”، معتبراً أنّ “الاحتكار، احتكار جغرافي، في المناطق الصالحة لهذه الزراعة في منطقة البقاع الشمالي”.