هل يبقى الذهب “الملاذ الآمن”؟
ترجمة “هنا لبنان”
كتب ماريو شرتوني لـ “Ici Beyrouth“:
بات الذهب يلقى رواجاً في الآونة الأخيرة، في ظل الاندفاع الكبير لشراء المعدن الأصفر في كل مكان تقريبًا، ولبنان ضمناً..
ويتمّ شراء الذهب على مستوى الأفراد كما على مستوى المصارف المركزية، وبينما ينظر إليه البعض على أنه يمثل الملاذ الآمن، يعتبر آخرون أنه ليس أكثر من أداة للمضاربة، على حد قول جون ماينارد كينز، أحد أهم الاقتصاديين في العالم. فما الذي يجعل الذهب من ضمن الأصول الخاصة والاستثمارات المحتملة؟
لماذا الذهب؟
من المنطقي التساؤل عن السبب الكامن وراء تصنيف الذهب في خانة مميزة مقارنة بالمعادن الثانية، لدرجة أن العديد من الحضارات استخدمته كعملة للتداول.
وهذا طبيعي للأسباب الآتية:
أولاً، الذهب مادة نادرة ويصعب استخلاصها، وبالتالي يسهل الحفاظ على قيمتها على مر السنين.
ثانيًا، يعدّ الذهب متيناً ويمكن تقسيمه بسهولة لكميات صغيرة.
ثالثًا، تتنوع استخدامات الذهب غير النقدية، لذلك يرتفع الطلب عليه سواء في صناعة المجوهرات أو طب الأسنان أو الطب أو صناعة الإلكترونيات. وبعيدًا عن استخدامه كأداة مضاربة عادية، يمثل الذهب أحد أصول الثروة.
الملاذ الأخير
لم يصنّف الذهب كملاذ آمن بشكل عبثي. فعندما تلوح في الأفق عواصف اقتصادية أو سياسية، تزداد المخاطر المرتبطة بمختلف العملات والأصول الأخرى. ولكن لماذا لا تخضع قيمة الذهب لهذا الاتجاه المتقلب فيفقد قيمته أيضًا؟ الإجابة بسيطة للغاية. كلما زادت تكاليف استخراج الذهب، انخفضت إمكانية زيادة إنتاجه بشكل لامتناه. ومن هنا أرجحية ازدياد قيمة الذهب على المدى الطويل، وعدم انهياره المفاجئ على غرار العملات الورقية.
علاوة على ذلك، لا تؤثر لحظات الاضطراب على العملات فحسب، بل تؤثر على البورصات والاستثمارات البديلة كذلك. أما الذهب فيبقى على الهامش نسبيًا. ولذلك يستخدم بالنتيجة، بانتظار هدوء العاصفة، كما يتم الحفاظ عليه على أي حال أثناء فترات الهدوء، تحسباً…
لمحة تاريخية
يميل سعر الذهب للتقلب بناءً على عدة عوامل، بما في ذلك التضخم وأسعار الفائدة وتقلبات العملة وثقة المستثمرين أو قاعدة العرض والطلب، كما هي الحال مع أي سلعة. وبينما كان سعر أونصة الذهب (حوالي 28غ) 350 دولارًا أميركيًا في العام 1991، ارتفع في نيسان/أبريل 2023، ليصل سعر الأونصة نفسها لحوالي 2000 دولار، أي مسجلاً ارتفاعاً بـ 5.7 ضعفاً.
ويوضح الرسم البياني أعلاه اتجاهًا مثيرًا للاهتمام: سجّل سعر الذهب اتجاهاً تصاعدياً في الأعوام 2001 و2008 و2020، مع الإشارة إلى أن هذه السنوات الثلاث عرفت أزمات مالية كبيرة على التوالي: أزمة الإنترنت وأزمة الرهن العقاري والجائحة العالمية. ولا شك بأن العلاقة بين التضخم وأسعار الذهب معروفة بالفعل. ووفقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، بلغ متوسط معدل التضخم 8.6% في العام 2022، وهو رقم قياسي تقريبًا، لم يسجل مثله منذ العام 1981.
استثمار مربح؟
هل يعني ذلك أن الاندفاع نحو الذهب في لبنان مبرر؟ لا يمكن إنكار أن الكثير من السكان في لبنان، يميلون أحيانًا للمبالغة في توخي الحذر بسبب الانهيار الخطير في البلاد منذ العام 2019 والإشكالية حول الودائع المصرفية. ولكن لنكن واضحين أيضاً، فالحجة الرئيسية وراء هذا الاستثمار في هذه الفترة مستوحاة أيضاً من موضة شراء الذهب: يبدو أن “الجميع يشتري أونصة، أليس كذلك”؟
بالنسبة لماريو كيروز، المتخصص في التحليل المالي والمجاز من جامعة الملك خوان كارلوس (إسبانيا)، فإن هذا الإقبال على الذهب منطقي، خصوصاً عندما لا تبدو الأصول المتداولة علنًا والاستثمارات الأخرى بصورة جيدة. في هذه الحال، يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة للحفاظ على ثرواتهم. وعندما يتعلق الأمر بالمدخرات، بتنا ندرك جيداً وقبل كل شيء، أن ادخار الليرة اللبنانية ما عاد بالمناسب. ولن يتغير هذا الوضع على الأرجح، بوجود مافيا في السلطة وميليشيا في الشوارع. لكن لماذا لا يدخر الناس الدولارات بدلاً من الليرات؟
ذلك لأن وضع الدولار ليس مثاليًا أيضًا، ولعب التضخم العالمي والصراعات الجيوسياسية وإخفاقات البنوك دوراً كبيراً في تآكل الثقة في هذه العملة. وفي النهاية، الدولار مجرد قطعة ورق تمتد قيمتها الممنوحة لها، بينما الذهب سلعة نادرة لا يزال بإمكانها الدخول للعديد من الأسواق. وخير دليل على ذلك: فيما ارتفعت قيمة الذهب في العقود الأخيرة، انخفضت قيمة الدولار، بسبب موجات التضخم السنوي المتكررة.
أضف إلى ذلك أن الذهب ليس فقط بمتناول البرجوازيين الأثرياء وحدهم، بل هو متاح أيضاً لأصحاب المدخرات المتوسطة والصغيرة، والذين يمتلكون بضعة آلاف من الدولارات في جعبتهم. يقول ماريو كيروز: “إذا توجب شراء شيء واحد، فليكن الذهب”، لكنه يوصي مع ذلك على الدوام، بتنويع المحفظة من أجل التخفيف من المخاطر، خصوصاً حين ترتبط قيمة الذهب عكسياً بقيمة الأصول المالية الأخرى، مثل الأسهم أو السندات أو العملات. ومع ذلك، ليس هناك من استثمار سحري يصلح للجميع لأن الأمر منوط بكل فرد وباستعداده لخوض المخاطرة”.
مواضيع ذات صلة :
التضخم السنوي في السعودية يُسجّل 1.6% | التضخم الألماني ينخفض إلى أدنى مستوى في أكثر من 3 سنوات | سندات اليورو تتأرجح بعد بيانات التضخم الأميركية |