الأسد يحتمي بإيران ويتشدق بالانتماء العربي
يتصرف الأسد ليس كمن يقر بعرفان بجميل بل كالمتيقن من أنه أفلت من العقاب ويجلس في كرسيه يستمتع بكلمات الإطراء والمديح التي رحبت بعودته خلال القمة، وأرجعتنا إلى زمن القمم العربية الغابرة…
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
إذا أراد المراقب والمتابع لوقائع ومجريات القمة العربية أن يقيم مشاركة النظام السوري لحسم بسرعة وعن قناعة أنها لم تكن “عودة ميمونة” على الإطلاق، وأداء بشار الأسد قارب الوقاحة وزهو المنتصر، لا السفاح المرتكب الذي حظي بمسامحة مجانية وإعادة تعويم واحتضان من قبل أبناء جلدته – وهنا تكمن العلة – رغم أنه قتل مئات الألوف من شعبه وفجرهم بالبراميل وشرد الملايين منهم. وبعجرفة فاقعة حاول أن يعطى في كلمته دروساً في الوطنية مثل السجال الاستفزازي الذي افتعله بادعائه الانتماء إلى العروبة وهو المنبطح في الحضن الإيراني، أو ادعائه الاستقلالية ورفضه تدخل الخارج في شؤون سوريا، وهي الواقعة اليوم تحت سيطرة واحتلال خمسة جيوش أجنبية تبدأ بإيران الملالي وروسيا بوتين والميليشيات الملحقة التي استدعاها واستجار بها للدفاع عن حكمه من الانهيار، مروراً بالولايات المتحدة وتركيا وانتهاءً باسرائيل التي يعدها بالرد على غاراتها المستمرة “في الزمان والمكان المناسبين”! ناهيك عن طبيعته المقامرة وابتزازه للعرب وللبنان في ملف النازحين، إذ جاهر بكل صراحة أنّ العودة لها شروط، أولها وآخرها إعادة الإعمار والتمويل ورفع العقوبات التي تفرضها واشنطن عليه. أي بمعى آخر لا عودة. باختصار، يتصرف الأسد ليس كمن يقر بعرفان بجميل بل كالمتيقن من أنه أفلت من العقاب ويجلس في كرسيه يستمتع بكلمات الإطراء والمديح التي رحبت بعودته خلال القمة، وأرجعتنا إلى زمن القمم العربية الغابرة…
لا شك في المقابل أنّ عملية استيعاب الأسد فرضتها اعتبارات وظروف تنطلق من رؤية سعودية تنموية تهدف إلى إطلاق عملية تقدم وتطور في مختلف المجالات، وتعوزها مناخات عربية وإقليمية مساعدة تفرض تسوية مع إيران راعي النظام السوري وتضع حدًّا لنفوذه وتمدده في المنطقة، وتقوم على مجموعة تفاهمات وتنازلات متبادلة، الأزمة السورية في مقدمها. إلّا أنّ إخراجها لم يكن بالأمر السهل على الإطلاق بعد أن تمّ نبذ النظام الأسدي وطرده من الجامعة العربية لمدة اثنتي عشر سنة، وكانت السعودية أول المطالبين بعزله نظراً للفظائع التي ارتكبها بحق شعبه. علماً أنه النظام الوحيد من بين الأنظمة الاستبدادية العربية التي أسقطها ربيع الشعوب العربية بين 2010 و2012 الذي يحظى بإعادة تعويم لأنه تحول إلى مجرد أداة للإمساك بسوريا والصراع عليها من قبل غير العرب أي إيران وروسيا وأميركا وإسرائيل وتركيا. فهل الاتفاق السعودي- الإيراني يقوم في جوهره على عملية “تبادل” بين اليمن وسوريا؟ العملية لن تهضم بسهولة، وقد اضطرت السعودية، بكل ما تملك من وسائل وقدرات، وكذلك من رصيد لولي العهد محمد بن سلمان، إلى التمهيد لهذه العملية بمجموعة اتصالات مكثفة ومؤتمرات مصغرة وموسعة ضمت دول الجوار المعنية بشكل مباشر الأردن والعراق ومصر وضعت شروطاً لعودة سوريا تبدأ بعودة ملايين السوريين النازحين في لبنان والأردن وتركيا، وتطالب بخروج القوى والميليشيات غير الشرعية من سوريا، وبوقف تجارة وتهريب المخدرات وتصنيعها في سوريا بإشراف وغض النظر من قبل النظام، والأهم العمل على الحل السياسي للأزمة الذي يقوم أساساً على قرار مجلس الأمن 2254، والذي لم يُذكِّر الأسد به أمس في جدة سوى الكويت. وقد تضمن البيان الختامي والإعلان الذي صدر عن قمة جدة معظم هذه الشروط. تجاوب الأسد كعادته مع طلب ضبط تهريب الكبتاغون وقام الأردن على الفور بغارة جوية داخل الأراضي السورية قضت على “اسكوبار” سوريا، واجتهد في تفسير باقي البنود مثل اعتباره أن القوى غير الشرعية هي فقط الجيش التركي والجيش الأميركي. غير أنه كان واضحاً في رفضه لمسألة عودة النازحين وبطرحه شرط المقايضة مع تمويل إعادة الإعمار ووقف العقوبات الذي جاهر به بكل وقاحة في كلمته أمام القمة مدعياً أنه قلب العروبة.
الإرباك كان بادياً لدى بعض الرؤساء، ووزير الخارجية السعودي ركز على سياسة “الخطوة مقابل الخطوة” مع دمشق.
نأمل ألّا يندم العرب في نهاية المطاف على إعادة تعويم الأسد!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |