الأسد والنّازحون: عمّن كان يتكلّم ميقاتي؟
ذهب ميقاتي إلى جدّة وعاد إلى بيروت. ومثله فعل الأسد الذي ذهب إلى جدّة وعاد إلى دمشق. لكن لم يرد في الأنباء، كما لم تظهر أيّ صورة، ما يشير إلى أنّ الأسد تقدم من ميقاتي قائلاً: “شكراً للبنان” على استضافته أكثر من مليوني لاجئ سوري.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
الفرصة الوحيدة التي أتيحت كي يكون كبار المسؤولين في لبنان وسوريا، وجهاً لوجه لكي يتبادلا الحديث حول ملف النازحين السوريين، الذين استقروا في لبنان منذ 12 عاماً، كانت يوم الجمعة الماضي في 19 أيار الجاري. وتحدثت معلومات صحفية عن لقاء تمّ بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، على هامش أعمال القمة العربية التي عقدت في جدّة بالمملكة العربية السعودية.
وبحسب المعلومات، جرى البحث في “قضايا مشتركة”، فهل كان من بين هذه القضايا، أزمة النزوح السوري إلى لبنان؟
على ما يبدو، ومن وقائع جلسة المؤتمر التي تلت لقاء الأسد وميقاتي، أنّ هذه الأزمة بقيت خارج هذا اللقاء العابر.
فعلى بعد بضعة أمتار حيث كان الأسد والوفد المرافق يجلسون في المقاعد المخصصة للوفد السوري في القمة العربية في جدة، وذلك للمرة الأولى منذ 12 عاماً خلت، كان ميقاتي، يلقي كلمة لبنان وفيها شرح لحجم معاناة بلاد الأرز في تحمل أعباء استضافة أكثر من مليوني نازح سوري، تدفقوا على لبنان طوال الفترة الممتدة من عام 2011، بعدما اندفعت آلة القتل لدى النظام السوري إلى إبادة مئات الألوف من السوريين، ودفع بضعة ملايين آخرين للفرار من موطنهم في كل الاتجاهات، وأقربها كان لبنان ولا يزال، والذي تحوّل البلد الأول في العالم من حيث المساحة الذي يستضيف ما يقارب نصف عدد سكانه من طالبي اللجوء.
قبل أيام من القمة العربية، نشرت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية تحقيقاً حمل عنوان “بعد 12 عاماً من الدم، سوريا الأسد تنضم مجدداً إلى الجامعة العربية”، فأشار إلى أنّ النظام السوري “لم يفعل شيئاً حتى الآن لإعادة 6 ملايين لاجئ سوري إلى ديارهم، معظمهم في البلدان المجاورة. وقبل الحرب كان في البلاد حوالي 22 مليون شخص. واضطر نصفهم تقريباً إلى الفرار، إمّا إلى الخارج أو في أي مكان آخر في سوريا بسبب ذلك”.
أضافت المجلة البريطانية: “يأمل جيران سوريا في رجوع ملايين النازحين السوريين. وينظرون إلى المليونين أو نحو ذلك في لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة فقط، على أنّهم عبء، يلقى باللوم عليهم بشكل غير عادل في الانهيار الاقتصادي للبلاد. وفي تركيا تحوّل المزاج أيضاً إلى المزاج العدائي. وتعهد كمال قليجدار أوغلو، مرشح المعارضة الرئيسي في الانتخابات التي جرت في 14 أيار، (والتي ستشهد إعادة هذا الشهر) بإرسال (النازحين السوريين) إلى ديارهم في غضون عامين إذا تمّ انتخابه”.
ومضت “الإيكونوميست” إلى القول: “لا ينبغي لأحد أن يكون متفائلاً جداً. وقد بنى البعض في الشتات السوري المترامي الأطراف حياة كريمة في البلدان التي تبنّوها، على الرغم من أنّ آخرين يعيشون في البؤس، ويقيمون في الخيام ويواصلون الحياة على الصدقات. ومع ذلك، فإنّ قلّة منهم يرغبون في العودة إلى سوريا. ومن غير المرجح أن يفعلوا ذلك – على الأقل ليس باختيارهم – ما لم يقم النظام بإصلاحات سياسية وإحراز تقدم في إعادة الإعمار”.
وخلصت المجلة إلى القول: “حافظ الاتحاد الأوروبي على موقف متشدد (من نظام الأسد)، على الرغم من أنّ بعض البلدان في وسط أوروبا وجنوبها تفضل استعادة العلاقات مع الأسد (على أمل التخلص من سكانها من اللاجئين السوريين). لكن دبلوماسيين عرب يقولون في أحاديثهم الخاصة إنّ الأميركيين أعطوهم “ضوءاً أصفر” للتواصل مع نظام الأسد. “جربوه”، قيل لهم – ولكن تأكدوا من حصولكم على شيء منه”.
بالعودة إلى قمة جدّة، فمن يعد إلى التسجيل المصوّر لأعمال القمة، يلاحظ أنّ الأسد بدت عليه ملامح الضجر، خلال إلقاء ميقاتي كلمة لبنان. أما وزير خارجية الأسد الجالس إلى جانبه، فيصل المقداد، فراح يلتهم ما بدا أنّه مكسرات التي كانت تشغل فمه، وليس ما قاله ميقاتي عندما حذّر من أنّ “طول أمد الأزمة وتعثر معالجتها وتزايد أعداد النازحين بشكل كبير جداً، كلها أمور تجعل من أزمة النزوح أكبر من طاقة لبنان على التحمل”.
من استمع إلى كلمة الأسد في قمة جدّة، والتي ألقاها قبل كلمة ميقاتي، وجد أنّ لفظة “نازحين” لا وجود لها في قاموس الديكتاتور السوري. فالأخير، قال:” الأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي قادرة على تدبير شوؤنها وما علينا إلّا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصرًا”. ما يمكن فهمه سريعاً، أنّ الأسد يمكنه اعتبار دعوة ميقاتي إلى عودة النازحين السوريين من لبنان إلى ديارهم، تنتمي إلى ما أسماه رئيس النظام السوري “التدخلات الخارجية”!
ذهب ميقاتي إلى جدّة وعاد إلى بيروت. ومثله فعل الأسد الذي ذهب إلى جدّة وعاد إلى دمشق. لكن لم يرد في الأنباء، كما لم تظهر أيّ صورة، ما يشير إلى أنّ الأسد تقدم من ميقاتي قائلاً: “شكراً للبنان” على استضافته أكثر من مليوني لاجئ سوري.
في الأصل: هل يعتبر الأسد الـ 6 ملايين سوري الذين فرّوا من سوريا منذ العام 2012 سوريين؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |