فخر الشعوب
يعيش لبنان مرحلة استجرار التخلف الإجتماعي ومعه الإقتصادي والمالي، وبعدما كان في الستينات من القرن الماضي، دولة نامية واعدة، صار التخلف المالي والعملي مساره ومسيرته على مسرح الدول، ولا حاجة إلى كبير عناء للاستدلال إلى ذلك فالدستور ضرب في بيته، في مجلس النواب..
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
يفاخر اللبناني عبر الأزمنة، ومنذ كان لبنان، بميزات يعظّمها باستمرار، بعضها حقيقي فعلي، وبعضها مضخم ومنحول، وغيرها سليل تشاوف مَرَضي تجاه الآخرين من الشعوب.
من ذلك، قرب البحر من الجبل، وتوازن الفصول الأربعة، والتنوع الديني، والتحدث باللغات الأجنبية، والمستوى التعليمي، وغير ذلك، لكنها جميعاً، ومنها ما ليس مندرجاً في هذا التعداد، باتت على درب الإنقراض بقوة تهالك بنية الدولة، في العصر الجاهلي الوطني الذي نعيش: فلا البحر بحر، ولا الطرق طرق، ولا المستشفى كما نعرفها، ولا التعليم اليوم كما تلقيناه في “أيامنا”، وغير ذلك كثير. وطبعاً أمننا كمواطنين ما عاد هو نفسه، حتى بطاقة السحب المالي الآلي لم نعد نتعرف عليها.
وكما لبنان الوطن، كذا لبنان الدولة والمؤسسات العامة. ولولا الوشائج الديموغرافية، والعائلية والمناطقية، والطائفية والمذهبية، وطبعاً “الإكراميات” التي تبلغ حد الرشى المالية، المتفاوتة كمية، لما أُنجزت معاملة إدارية. وللراشي والمرتشي أن يعذُر كل منهما الآخر على الفعلة المشتركة بسبب الأزمة الإجتماعية المالية، التي كادت تحيل، وربما بدأت تحيل، القيم العامة على مستودع الذكريات الوطنية. فالجوع كافر، والفساد، بكل وجوهه، يزكم الأنوف، كيفما تلفت المواطن، وأمس أظهر القرار القضائي اللبناني بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنطواءه على رسالتين، الأولى إلى الخارج تلوّح بالسيادة الوطنية متسلحة بالقانون، والأخرى داخلية مفادها أن من يقع في موقف مشابه لما يعيشه سلامة اليوم، سواء كان بريئاً، أو مذنباً، سيكون في منأى عن أي ملاحقة دولية. يكفي أن يحتجز القضاء جواز سفره، أو جوازاته، ليصير حرّاً طليقاً في ما يشبه إقامة جبرية مزعومة، وتالياً بعيداً عن يد أيّ قضاء غير لبناني، باسم احترام سيادة الدولة.
يعيش لبنان مرحلة استجرار التخلف الإجتماعي، ومعه الإقتصادي والمالي، وبعدما كان في الستينات من القرن الماضي، دولة نامية واعدة، صار التخلف، المالي والعملي، مساره ومسيرته على مسرح الدول، ولا حاجة إلى كبير عناء للاستدلال إلى ذلك، فالدستور ضرب في بيته، في مجلس النواب، ومن يتخوف عليه من أن يتكرس وجهات نظر هم في طليعة من طوّعه في 11 جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية البائسة. لكن هذه حال كان لا بدّ من الوصول إليها، طالما هناك ميليشيا قائمة، في السلاح والسياسة والإقتصاد والإجتماع، ولا ينفع تغليفها بعنوان “المقاومة” وتوريتها بـ”الممانعة” لتعمية العموم عما خلّفته وتخلّفه من ضعضعة في البناء الوطني، وفرز طائفي ومذهبي لا يمكن نكران وجوده منذ ما قبل، لكن أيضاً لا يجب تجاهل حدته المتزايدة منذ حلّ الحزب المسلح في صحن دار الوطن، وتسلل تحت غطاء التحرير إلى مسام الحياة العامة، ليفرض مصالح من يمثل، ويطوع البلاد لاستراتيجية إقليمية أقلوية.
لا يمكن إنكار فضل “المقاومة” حين كانت مقاومة في مواجهة الإحتلال، لكن لا يمكن الصمت عن دور لها، مرهون بمستجدات مستقبلية تشي “قواعد الإشتباك” بين الحزب وإسرائيل، وكذلك “الترسيم البحري” بين لبنان وإسرائيل ببركة الحزب، بأنّ قرار الحرب لدى الطرفين، ليس بخفة التصعيد السياسي الخطابي الراهن، خلافاً لحرص كل منهما على تخويف جمهوره من تحضيرات خصمه العسكرية.
المشاهد السابقة تكتمل باثنين، ترييف المدينة اللبنانية عموماً، وفي قمتها بيروت، حيث افترشت البسطات أرصفة الأحياء، سواء الشعبية أوالمتميزة تاريخياً وهندسيًّا، وما كان منها عنواناً للأجواء الثقافية، أقفل محاله كأنه يخلي الدرب للأمية الثقافية. أما الثاني، فهو “استجداء” وصايات دولية لانتخاب رئيس للجمهورية، واستدرار عطف القوى العالمية لتتوسط بين اللبنانيين كي يتفقوا، كأن لا دستور ولا قواعد لعملية ديموقراطية تسمى “إنتخاب”.
مع ذلك نصر على التفاخر بهذا الوطن، وبشعبه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |