جنبلاط وإصابة ثلاثة عصافير بحجر!
حنكة جنبلاط دفعته إلى اختيار التوقيت المفاجئ والمناسب للانكفاء، خالطاً الأوراق ومصيباً ثلاثة عصافير بحجر واحد، أولاً عبر ترك القرار والساحة لنجله، وثانياً بالإيحاء بأنّ السعودية لا تريد فرنجية، وثالثاً بالتحرّر من الإحراج تجاه صديقه بري!
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
فعلها وليد جنبلاط! المفاجأة ليست بالقرار بل بالتوقيت.
فقرار الابتعاد وتسليم زمام القيادة إلى نجله تيمور أمر متوقع ومعروف ومعلن عنه منذ سنوات، إذ عمل الأب على التمهيد تدريجياً للابن بإلباسه أولاً العباءة في المختارة في ذكرى اغتيال جده كمال قبل ست سنوات (17 آذار 2017)، وحاول توريثه المقعد النيابي في دورة انتخابات 2009 إلّا أنّ أسباباً وظروفاً حالت دون ذلك، إلى أن حصل الأمر في انتخابات 2018.
يومها كان جنبلاط لا يزال رأس حربة قوى 14 آذار وكانت حياته على كفّ عفريت إذ كان الصراع ما زال في أوجه مع النظام السوري، وقام “حزب الله” في 7 أيار 2008 بغزو بيروت، وحاول اقتحام الجبل عقر دار جنبلاط فتصدى له أنصاره بشراسة وأجبروه على التقهقر.
وقد شنّ نصرالله يومها هجوماً عنيفاً على جنبلاط ووصفه بـ”المجرم والقاتل واللص”، وقبل شهر من الانتخابات النيابية التي جرت في 2009 أعلن زعيم “حزب الله” أنّ “7 أيار هو يوم مجيد”، ما زاد من حظوظ قوى 14 آذار بالفوز في الانتخابات وساعد وليد جنبلاط على التحضير لتموضع جديد، سماه البعض “تكويعة”، بإعلان خروجه من 14 آذار في يوم ذكرى ميلاده الستين، وكأنّه أراد “كسر النحس” كما يقال بالعامية وتحدّي القدر الذي أودى بوالده وبجدّه من قبل قتلاً في عمر الستين، تمهيداً لتحضير الأجواء لتوريث تيمور ونزع الألغام من طريقه آخذاً بصدره كل مخاطر المرحلة، وأوّلها تجرع كأس العودة إلى دمشق والجلوس في حضرة الأسد بعد أن كان قد سبقه إلى ذلك سعد الحريري بفعل الاتفاق السعودي – السوري الذي عمل عليه الملك السعودي الراحل عبدالله، والذي عرف يومها باتفاق الـ “سين – سين” والذي يتخوف البعض اليوم من إمكانية العودة إليه بما يخص لبنان بعد التفاهم السعودي – السوري الجديد وعودة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية.
طبعاً، هذا تمنٍّ يدغدغ أحلام فريق الممانعة وبقايا أتباع النظام السوري وكأنّ شيئاً لم يتغير، علماً أنّ الأسد اليوم مجرد دمية في يد روسيا كما في يد إيران التي تتحكم اليوم في لبنان ودول عربية أخرى.
فهل هذا واحد من الأسباب التي تؤرق جنبلاط وعجلت في انسحابه؟
علماً أنّ جنبلاط أيضاً اضطر إلى “تكويعة” أخرى بمصالحة نصرالله وتحييد الحزب بعد “اتفاق الدوحة” الذي نتج عن احتلال وسط بيروت لسنة ونصف السنة وغزوة 7 أيار، والذي أدّى لاحقاً إلى قيام فريق “حزب الله” الذي لم يحترم يوماً أيّ اتفاق، بإسقاط حكومة الحريري وخروجه من السلطة، تبع ذلك تموضع جنبلاط في الوسط بعد تهديد “القمصان السود” وفرض حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 التي جلس فيها وحيداً مطوقاً بالثنائي الشيعي وحليفه التيار العوني. ثم كانت هدنة طويلة بدأت بعدم إجراء الانتخابات في 2013 تبعها تشكيل حكومة تمام سلام لغاية 2016 ليعود “حزب الله” مجدداً إلى تعطيل البلد عبر الفراغ الرئاسي الذي دام سنتين ونصف السنة لكي يفرض ميشال عون رئيساً.
ومرة ثالثة (الأولى كانت مع انتهاء ولاية إميل لحود) البلد اليوم أمام فراغ رئاسي يسعى من خلاله نصرالله إلى فرض سليمان فرنجية رئيساً، ما وضع جنبلاط أمام خيارات صعبة، أولها أنّ تيمور أصبح في خضم اللعبة يترأس الكتلة النيابية ويؤيد عدد منها ما يفكّر به ويراه من خيارات، وله نظرة مختلفة إلى منظومة السلطة وإلى مستقبل الحزب والزعامة وعلاقتها بالأجيال الجديدة، ويبدو أنّه “قليل التلبنن” لا يحبذ المساومات كثيراً. كما أنّه لا يؤيد دعم فرنجية للرئاسة، ما دفع بجنبلاط مؤخراً إلى تكرار أنّه يريد في هذا الصدد أن يقف على رأي تيمور.
في المقابل، معروف أنّ جنبلاط تربطه علاقة وثيقة بنبيه بري، وهما على تنسيق وتشاور دائمين في مجمل القضايا الأساسية، وبرّي هو عراب ترشيح فرنجية فما العمل؟
وجنبلاط كذلك على علاقة متينة بالمملكة السعودية التي تعلن أنّها لا تضع فيتو على أحد ولا تؤيد أحداً.
أمام هذا المازق حنكة جنبلاط دفعته إلى اختيار التوقيت المفاجئ والمناسب للانكفاء، خالطاً الأوراق ومصيباً ثلاثة عصافير بحجر واحد، أولاً عبر ترك القرار والساحة لنجله، وثانياً بالإيحاء بأنّ السعودية لا تريد فرنجية، وثالثاً بالتحرّر من الإحراج تجاه صديقه بري!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |