فجوة بين التعليم وسوق العمل: فما هي حاجات السوق؟
88% من الشركات اللبنانية في قطاعي التكنولوجيا والرقمنة، تسعى إلى تعيين موظفين متفرغين، ولكنها غير قادرة على العثور على المواهب المناسبة. وهذا مؤشر مثير للقلق في ما يتعلق بالفجوة بين التعليم وسوق العمل اليوم والتي يبدو أنها تتسع مع مرور كل عام.
كتبت باولا عطية لـ”هنا لبنان”:
بيّن مسح موجز للأسواق اللبنانيّة أجرته Forward MENA، الذراع التعليمية لمنطقة بيروت الرقمية (Beirut Digital District) والذي شمل ٨٢ شركة محلية للرقمنة والتكنولوجيا، أن 88% من الشركات اللبنانية في قطاعي التكنولوجيا والرقمنة، تسعى إلى تعيين موظفين متفرغين، ولكنها غير قادرة على العثور على المواهب المناسبة. وهذا مؤشر مثير للقلق في ما يتعلق بالفجوة بين التعليم وسوق العمل اليوم والتي يبدو أنها تتسع مع مرور كل عام.
وخلصت نتائج المسح إلى أن الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا تقوم بالتوظيف بكثافة. وفي الواقع، فإن طلب كبار أرباب العمل في القطاع الخاص يزداد على كافة أنواع مطوري البرامج، حيث تسعى 64٪ من الشركات التي تم إجراء مقابلات معها إلى تعيين مطوري برامج. وكشف المسح أن الطلب يرتفع أيضاً على المهارات في التسويق الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتصميم UI/UX، وبرامج Adobe. ومن شأن هذه المهارات أن تكمل إمكانيات الشباب، مما يفتح الباب لهم أمام فرص عمل أفضل دون الحاجة إلى التزامات تدريبية طويلة الأجل.
كما أكدت الشركات على الحاجة إلى مهارات مثل: التفكير النقدي والعمل الجماعي والذكاء العاطفي، بالإضافة إلى مهارات التكيف والقدرة على الصمود وبناء القدرات على التعلم المستمر. كما تحظى شهادات المطور المعاون وشهادات DevOps Engineering بتقدير كبير وتعتبر ميزةً قوية في عملية التوظيف بالنسبة لـ72٪ من الشركات التي شملها المسح.
وفي حين تبرز هذه النتائج الاتجاهات الرقمية الحالية في سوق العمل اللبناني، إلّا أنّها تبيّن أيضاً الصعوبات في العثور على مرشحين مؤهلين. والواقع أن 76% من الشركات التي شملها المسح اعتبرت أن هناك فجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل المحلية. والمشكلة الرئيسية التي تواجهها الشركات اليوم هي عدم التوافق بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل. وينطوي ذلك على ارتفاع التكاليف من حيث التدريب التكنولوجي للارتقاء بالمواهب المحلية، لتتمتع بمهارات تتناسب مع احتياجات الشركات من القوى العاملة.
التركيز لم يعد على الشهادة الجامعيّة
في هذا الإطار يقول الخبير التكنولوجي رامز القرا في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ “التكنولوجيا دخلت على جميع أنواع الأعمال، في لبنان ودول العالم، بدءاً من التسويق الرقمي، والبرمجيات العاديّة، وخدمات الـIT، وحتى الخدمات الاستشفائيّة، والتعليميّة وغيرها. وجاء الذكاء الاصطناعي ليعمّق وجودها أكثر وأكثر في جميع المجالات. فيما الفجوة بدأت تكبر أكثر وأكثر ليس فقط بين الجامعات والقطاع التكنولوجي بل بين الجامعات وقطاع العمل ككلّ، لكون الأخير يستخدم بدوره إمّا التكنولوجيات التقليديّة أو الحديثة (أي الذكاء الاصطناعي)”.
وردّ القرا أسباب الفجوة بين الجامعات وقطاع العمل إلى “اعتماد معظم الجامعات في لبنان على التكنولوجيا التي تعتبر نوعاً ما قديمة، وحتى هذه الأخيرة لا يتمّ تدريب الطلاب بطريقة جديّة عليها. حيث أنّ التعليم بمجمله نظري ويغفل الشقّ التطبيقي. ولتعويض هذا النقص يتجه معظم الطلاب إلى أخذ صفوف أونلاين عبر مواقع تدرّب الشباب وتساعدهم على اكتساب مهارات تكنولوجيّة، كـcoursera، وغوغل garage، وLinkedIn learning، وهذه المواقع لا تكتفي بالدروس النظريّة بل تعتمد في منهجها على الدروس التطبيقيّة أيضاً، ويعطى الطالب أو الفرد الذي حضر الحصّة وحلّ جميع إمتحاناتها، شهادة تؤكّد تعلّمه لهذه المهارة. ما يدلّ على أنّه يملك الخبرة أو المهارة المطلوبة التي تؤهّله دخول سوق العمل”.
هذا ولا تقتصر المواد التي تعطيها هذه المواقع على تعليم المهارات التكنولوجيّة، أو إختصاصات مرتبطة بالعالم الرقمي، يتابع القرا، بل تتعداها لتشمل معظم الاختصاصات كالهندسة، والمحاسبة، والترجمة، والفلسلفة… لتصبح شهادة الجامعة بذلك، مجرّد تذكرة تخوّل الفرد الحصول على مقابلة عمل، فيما هذه المهارات هي التي تسمح له بالنجاح في المقابلة وبالتالي الحصول على الوظيفة، لأنّ ما يهمّ الشركات اليوم هو مدى اهتمام الفرد بتطوير مهاراته في شتى الميادين، خارج إطار اختصاصه”.
ويعتبر القرا أنّ “هذه الفجوة الموجودة بين القطاع التعليمي وحاجات سوق العمل، ستؤدّي بالمستقبل إلى استغناء الناس عن الشهادات الجامعيّة التي لن يكون لها أهميّة أو فائدة في المستقبل القريب، والتركيز على اكتساب مهارات يحتاجها سوق العمل”.
ما هي شروط التوظيف؟
من جهتها، تقول خبيرة الموارد البشريّة باتريسيا أشقر، في حديثها لموقع “هنا لبنان”، إنّ “شروط التوظيف الأساسيّة في القطاع التكنولوجي اليوم هي:
1- الكفاءة التقنية: تعتبر المهارات التقنية القوية في لغات البرمجة والأدوات ذات الصلة أمرًا بالغ الأهمية، اعتمادًا على الدور الوظيفي المحدد (على سبيل المثال، Python و JavaScript و Java و C ++ وما إلى ذلك). غالبًا ما يتم البحث عن المعرفة بالمنصات الإلكترونيّة وقواعد البيانات والأمن السيبراني.
2- التعليم والشهادات: يُتوقع عادةً حصول طالب الوظيفة على درجة البكالوريوس أو الماجستير في علوم الكمبيوتر أو هندسة البرمجيات أو غيرها من المجالات ذات الصلة. كما يمكن الاكتفاء أحياناً ببعض الشهادات المتعلقة بلغات برمجة معينة”.
أمّا عن المهارت التي يجب أن يتمتّع بها طالبو الوظيفة بشكل عام، بغض النظر عن طبيعة العمل، فتذكر أشقر:
1- مهارات حل المشكلات والتحليل: يبحث أصحاب العمل عن مرشحين يتمتعون بقدرات ممتازة في حل المشكلات، والتفكير المنطقي، والمهارات التحليلية لمواجهة التحديات التقنية المعقدة.
2- الاتصال والتعاون: تحظى مهارات الاتصال القوية والقدرة على العمل بشكل تعاوني بتقدير كبير، حيث يحتاج المتخصصون غالبًا إلى التفاعل مع فرق متعددة الوظائف وأصحاب المصلحة.
3- القدرة على التكيف والتعلم المستمر: تتطور صناعة التكنولوجيا بسرعة، في الوقت الذي تحتلّ فيه التكنولوجيا جميع القطاعات، لذا فإن المرشحين الذين يظهرون استعدادًا لتعلم التقنيات الجديدة والتكيف مع التغيير والبقاء على اطلاع دائم بالاتجاهات التي يسلكها التطور التكنولوجي، هم الأوفر حظاً بالحصول على الوظيفة، أو البقاء في وظيفتهم وأخذ ترقية”.
وتشير أشقر، إلى أنّه “قد يواجه التوظيف في صناعة التكنولوجيا في لبنان عدة تحديات، منها:
1- نقص المواهب: حيث يمكن أن يكون هناك نقص في المهنيين ذوي المهارات العالية في مجال التكنولوجيا وذوي الخبرة المطلوبة، مما يؤدي إلى زيادة المنافسة بين أصحاب العمل على مجموعة محدودة من المواهب.
2- هجرة الأدمغة: شهد لبنان هجرة أكثر من 55 ألف شخص في نهاية عام 2022، حيث بحث هؤلاء عن فرص في الخارج بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان. ما يصعّب على الشركات عمليّة الاحتفاظ بالمواهب المحلية.
3- التعويضات والمزايا: قد يكون جذب أفضل المواهب أمرًا صعبًا بسبب قيود الرواتب والموارد المحدودة لتقديم حزم تعويضات تنافسية، خاصة عند مقارنتها بالأسواق الدولية. في ظلّ أزمة اقتصاديّة قاسية سببها الرئيسي شحّ العملات الصعبة، وسط تدني قيمة العملة الوطنيّة وتآكل الاجور.
4- قيود التأشيرة: قد يكون توظيف المواهب الأجنبية أمرًا معقدًا بسبب قيود التأشيرات والإجراءات القانونية، والتي يمكن أن تحدّ من المواهب المتاحة”.
وعن المهارات التي يصعب إيجادها للتوظيف في القطاع التكنولوجي تعدّد:
1- الخبرة المتخصصة: قد يكون من الصعب العثور على الأفراد ذوي المهارات المتقدمة في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) أو التعلم الآلي (ML) أو blockchain أو الأمن السيبراني بسبب محدوديّة البرامج التعليمية التي تركز على هذه المجالات.
2- القيادة والإدارة: غالبًا ما يمثل تحديد المتخصصين في مجال التكنولوجيا ذوي المهارات القيادية والإدارية القوية، والذين يمكنهم توجيه الفرق وتوجيهها بشكل فعال، تحديًا. حيث يفضل العديد من خبراء التكنولوجيا الأدوار الفنية على المناصب الإدارية.
3- المهارات الشخصية: في حين أن المهارات الفنية ضرورية، فإن الطلب على المرشحين ذوي المهارات الشخصية القوية، مثل التواصل الفعال والعمل الجماعي والذكاء العاطفي، يرتفع في الفترة الأخيرة. إلّا أنّه يصعب العثور على الأفراد الذين يمتلكون توازنًا في المهارات الفنية والمهارات الشخصية”.
وتلفت أشقر إلى أنّ معايير التوظيف في القطاع التكنولوجي هي:
1- الكفاءة الفنية: يعد تقييم المهارات الفنية للمرشح من خلال المقابلات الفنية أو اختبارات الترميز أو المشاريع أمرًا بالغ الأهمية لضمان قدرته على أداء المهام المطلوبة.
2- الملاءمة الثقافية: يعتبر تقييم ما إذا كان المرشحون يتماشون مع ثقافة الشركة وقيمها وديناميكيات الفريق أمراً ضرورياً لتعزيز بيئة عمل إيجابية وتعاونية.
3- الخبرة والتعليم: تساعد خبرة العمل السابقة للمرشح، بما في ذلك المشاريع ذات الصلة أو التدريب الداخلي أو البحث، إلى جانب خلفيته التعليمية، في قياس مستوى خبرته ومعرفته الصناعية.
4- حل المشكلات والتفكير النقدي: يعد تقييم قدرة المرشح على التفكير النقدي وحل المشكلات والتعامل مع التحديات أمرًا حيويًا، لأن هذه المهارات أساسية في صناعة التكنولوجيا.
5- مهارات الاتصال والتعامل مع الآخرين: يعد تقييم مهارات الاتصال لدى المرشح، شفهيًا وكتابيًا، بالإضافة إلى قدرته على التعاون والعمل بشكل فعال في فرق، أمرًا بالغ الأهمية للنجاح في أي دور تقني.
6- إمكانات النمو: من المهم تقييم إمكانات المرشح للتعلم المستمر والقدرة على التكيف واستعداده للبقاء محدثًا باتجاهات الصناعة، حيث تتطور التكنولوجيا بسرعة”.
وتختم بالقول إنّه “من المهم الملاحظة أن قرارات التوظيف قد تختلف بناءً على احتياجات الشركة المحددة وثقافتها ومتطلبات الوظيفة التي يتم شغلها”.