ما مصير رواتب القطاع العام؟
رمت الحكومة الكرة في ملعب مجلس النواب، داعية “البرلمان إلى الالتئام في أسرع وقت ممكن، من أجل إقرار قوانين فتح اعتمادات إضافية خاصة بالرواتب والأجور والمساعدات الاجتماعية والتعويضات الإضافية”..
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
على ما يبدو لم تحقّق عمليّات رفع حكومة ميقاتي الضرائب على المواطنين الغرض المرجو منها، حيث أنّ ربط الدولار الجمركي بسعر منصّة صيرفة، ورفع ضريبة الـTVA، ودولرة رسوم الأملاك البحريّة، وفرض دفع المواطنين ضريبة بالدولار الأميركي على أجورهم التي يتقاضونها بالعملة الصعبة، كلّها محاولات باءت بالفشل، وحالت دون تأمين الدولة اللبنانيّة مداخيل كافية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة التي وعدت فيها موظفي القطاع العام.
حيث، الزودة الجديدة لموظفي القطاع العام بالإضافة إلى القديمة، أصبحت توازي 7 رواتب للموظفين في الخدمة الفعليّة و6 للمتقاعدين، وقد تصل كلفتها على الدولة اللبنانيّة إلى أكثر من 80 مليون دولار سنوياً. فللمرّة الثانية على التوالي أقرّت حكومة تصريف الأعمال اللبنانيّة، زيادة على رواتب موظفي القطاع العام، إذ تمّت الموافقة في جلسة الثلاثاء 17 نيسان 2023، على دفع أربعة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه موظفو القطاع العام والمتعاقدون والأجراء، على أن تضاف هذه المبالغ إلى الزيادة التي أقرّت قبل عدّة أشهر، ومنحت الموظفين آنذاك راتبين إضافيين.
إلى ذلك كان من المتوقّع أن تعجز الدولة عن تأمين الأموال المطلوبة، في ظلّ تفاقم التهرّب الضريبي على كلّ المستويات في لبنان، حيث قدرت كلفة التهرب بنحو 4.5 مليارات دولار حتى عام 2018، أيّ قبل اندلاع الأزمة الاقتصاديّة بعام واحد. فما حال واقع التهرّب الضريبي اليوم في ظلّ اقتصاد نقدي كبير مدولر يقدّر حجمه استناداً إلى البنك الدولي بنحو 9.86 مليارات دولار أو 45.7% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2022. وهذا الأخير لا يساهم فقط في التهرّب الضريبي بل يفتح الباب أمام انتشار عمليات تبيييض الأموال أيضاً.
وبالعودة إلى الرواتب والأجور، وبالاضافة إلى المحفزات التي ينتظرها موظفو القطاع العام، بفارغ الصبر، يتخوّف المراقبون من أن لا يتقاضى هؤلاء رواتبهم كما وعدوا، حيث أنّ لا مصدر تمويل للحكومة، يكفيها، للإيفاء بما وعدت به!
وكانت الحكومة قد رمت الكرة في ملعب مجلس النواب، في جلستها الأخيرة التي عقدت يوم الجمعة الماضي، بتاريخ 26-5-2023، داعية “البرلمان إلى الالتئام في أسرع وقت ممكن، من أجل إقرار قوانين فتح اعتمادات إضافية خاصة بالرواتب والاجور والمساعدات الاجتماعية والتعويضات الإضافية”، وقد جاءت هذه الدعوة على أثر إبلاغ وزير المال يوسف خليل مجلس الوزراء عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتسديد أجور لجميع العاملين في الأسلاك المدنية والعسكرية ابتداءً من شهر حزيران.
هذا الواقع، يفتح إشكاليات عدّة، أوّلها مدى دستوريّة طلب الحكومة من مجلس النواب عقد جلسة تشريعيّة في ظلّ الفراغ الرئاسي؟ وثانيها، هل تصريح وزير المال هذا يعني أنّ لا أموال بالأساس لتمويل سلسلة الرتب والرواتب؟ وما الحلول التي قد يلجأ إليها المعنيون؟
الرواتب ستدفع على دفعتين
يجيب عن هذه الأسئلة رئيس الاتحاد العمّالي العام بشارة الأسمر، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، مشيراً إلى أنّه “وبعد زيارة لوزير المال، تمّ الاتفاق على أن تدفع معاشات شهر أيّار، على الشكل التالي: دفع 3 رواتب عن 3 أشهر في أوّل الشهر الجاري، على أن تدفع الـ4 رواتب المتبقيّة في 15 من الشهر الجاري، وذلك لجميع موظفي القطاع العام، من متقاعدين، وعسكريين، ومتعاقدين وغيرهم”.
وعن رواتب شهر حزيران يوضّح الأسمر أنّه “وخلال اجتماع اللجان المشتركة طرحت 4 قوانين، لفتح اعتمادات في موازنة الـ2023، لتتمكّن الدولة من دفع مستحقّات شهر حزيران، وتغطّي بذلك نفقات النقل للعسكريين المتقاعدين والموجودين في الخدمة وجميع موظفي القطاع العام”.
الضمان يرفع تغطية الطبابة إلى 40%
وعن مدى دستوريّة هذه الجلسة يجيب الأسمر “من المرجّح أن تعقد جلسة مجلس النواب تحت إطار تشريع الضرورة، حيث أنّ مجلس النواب أبدى تجاوبه مع هذه الخطوة”، مضيفاً ” إذا واحد عم بموت بدنا نقلو طوّل بالك لنشوف الدستور؟”
وكشف أنّه “يتمّ أيضاً دراسة مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية”، مبشراً بأنّه “وبعد قرار الضمان بتغطية تعرفة غسيل الكلى 100%، قد نسمع في الأسبوع المقبل إعلان الضمان عن رفع تغطية الطبابة والاستشفاء بنسبة 40%، وسيستفيد من هذه الأخيرة كل من يتبع قانون العمل”.
موافقة من الأطراف المسيحيّة المعارضة
من جهّته يقول الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “المشكلة الأساسيّة في تأمين رواتب موظفي القطاع العام هي بفتح اعتمادات تعطي لوزير المال الحقّ بالصرف، وبالتالي المشكلة حتى الآن سياسيّة، وكنّا قد سمعنا تصريح رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان اليوم، والذي إلى حدّ ما تحدّث بإيجابيّة، ما يعني أنّ الأطراف المسيحيّة تحديداً والتي كانت تعارض انعقاد مجلس النواب كهيئة تشريعيّة في ظلّ الفراغ الرئاسي، قد تتراجع عن موقفها في مسألة رواتب القطاع العام، حيث ستقرّ بضرورة عقد جلسة لفتح الاعتمادات وبالتالي صرف الرواتب لموظفي القطاع العام”.
وعن مصدر تمويل هذه الرواتب يقول فرح “عادة ما تلبي الدولة مصاريفها إمّا من خلال الإيرادات أو عبر الاقتراض، أو من خلال طباعة العملة عبر مصرف لبنان. ولكن تصريح وزير الماليّة اليوم كان ملفتاً حول أنّ ربط الدولار الجمركي بمنصّة صيرفة زاد من إيرادات الدولة. ما يعني أنّ مستوى العجز في موازنة الدولة لن يتضخّم بعد صرف رواتب موظفي القطاع العام”.
رواتب القطاع العام ستزيد من التضخمّ
في المقابل تكشف مصادر ماليّة، في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّ “تمويل رواتب موظفي القطاع العام سيكون عبر طباعة مصرف لبنان للمزيد من العملات الورقيّة، ما يعني زيادة بالتضخّم، وارتفاعاً في سعر صرف الدولار والمزيد من الانهيار لسعر الليرة مقابل الدولار”.
وذكّرت المصادر “بضرورة مباشرة الدولة اللبنانيّة بالإصلاحات التي يطالبها بها صندوق النقد الدولي، وعلى رأسها إعادة هيكلة القطاع العام”.