خطوة ترشيح أزعور سلاح ذو حدين
في لبنان الذي يتبنى دستوره النظام الديموقراطي البرلماني الترشح بات من الأمور المستهجنة، لا بل “التجرؤ” عليه يشكّل تحدياً واستفزازاً لآخر نصب نفسه الآمر والناهي، ليس فقط في الحياة السياسية وإنما في كل شيء.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
الترشح لأي انتخابات رئاسية أو نيابية في الأنظمة الديموقراطية أمر طبيعي، لا بل واجب يفرضه حق تمكين الناخب من حرية الاختيار بين عدد من المرشحين وقدرته على المساءلة والمحاسبة.
أما في لبنان الذي يتبنى دستوره النظام الديموقراطي البرلماني فالترشح بات من الأمور المستهجنة، لا بل “التجرؤ” عليه يشكّل تحدياً واستفزازاً لآخر نصب نفسه الآمر والناهي، ليس فقط في الحياة السياسية وإنما في كل شيء. والأطرف والغريب في آن أنه يريد أن يلغي المنافسة الديموقراطية ويتهم الخصم بأنه بترشحه يسعى لإسقاط مرشحه هو أو أنه يناور لسحبه، ويتمسك بالمقابل بمرشحه ويريد فرضه عليك، وينادي ليل نهار بالحوار ثم يدعوك للتوافق على مرشحه؟!
لذلك، فقد شكل إعلان القوى التي تعارض ترشيح سليمان فرنجية وعبره تثبيت هيمنة “حزب الله” على السلطة، خطوة هامة على طريق إعادة الأمور إلى نصابها الديموقراطي وكسر عملية السلبطة والفرض الذي يمارسه “حزب الله” والتعطيل الذي يطبقه حليفه رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري بإغلاقه المجلس ورفضه الدعوة منذ نحو خمسة أشهر إلى عقد جلسة لانتخاب الرئيس كما ينص الدستور. وقد بات هناك الآن مرشحان “جديان” هما جهاد أزعور وسليمان فرنجية كما يطالب بري ويصر، ما دفعه الآن إلى تحديد موعد الجلسة، علماً أنه كان هو المرشح الوحيد لرئاسة المجلس ولم يكن هناك من “مرشح جدي” ينافسه ولا نائب واحد شيعي يترشح ضده أو حتى يعارضه بعد أن استأثر “الثنائي الإلغائي” بكل المقاعد الشيعية الـ 27 في مجلس النواب. يتربع بري على كرسي رئاسة المجلس منذ 31 سنة ثم يتكلم عن الميثاقية في السلطة والتمثيل. وعندما تتعلق المسألة برئاسة الجمهورية يصبح الموقع وطنياً لبنانياً.
يوم كان ميشال معوض مرشح المعارضين، ثابر ثنائي “حزب الله” وحركة أمل (وكان معهما التيار العوني) على مدى إحدى عشرة جلسة على اعتباره مرشح تحدٍّ والتصويت بورقة بيضاء، ثم قرر بري الخروج إلى العلن وترشيح فرنجية الذي يجاهر بانتمائه إلى “الخط وما بستحي في” اي الخط الأسدي – الحزباللوي. وكان أن رضخ المعارضون وقرروا تبني ترشيح أزعور المحايد الذي لا ينتمي إلى أي حزب أو طرف سياسي ولا لأي “خط” وإنما توافقي، إلا أن هذا الترشيح الذي تبناه أيضاً جبران باسيل أفقد صواب “حزب الله” الذي راهن على عدم تجرؤه على تجاوز النهر واعتبر أزعور مرشح مواجهة، وسارع أحد نوابه البارزين حسن فضل الله إلى الحسم فوراً معلناً بأنه “لن يصل مرشح التحدي والمواجهة إلى بعبدا أياً يكن اسمه” أي إذا لم يكن فرنجية فعبثاً تحاولون…
تبني ترشيح ازعور كان بدون شك خطوة ضرورية لحشر الفريق الممانع، وتحديداً بري الذي بات مضطراً إلى تحديد موعد لجلسة الانتخاب. ولكن هذا لا يعني أنّ العملية ستصل إلى خواتيمها لأن الثنائي قادر في أي لحظة على تطيير النصاب واللجوء إلى مختلف الأساليب لمنع تشكل أكثرية تؤمن فوز أزعور عبر ممارسة الضغوط على العديد من النواب السنة الحائرين والمترددين، وبالأخص على وليد جنبلاط صديق بري الذي ما زال حائراً بين أزعور والورقة البيضاء. ولافت في هذا المجال فتح وسائل إعلام الممانعة ملهاة عد الأصوات وإيهام المعارضين بأنهم على أبواب الإمساك بالأكثرية. في المقابل، خطورة مسارعة بكركي (بنصيحة من الرئيس الفرنسي؟) إلى فتح قناة تواصل مباشر مع “حزب الله” والتسليم بسطوته… غير أن هذه الحسابات أو الفرضيات التفاؤلية نسبياً تصبح غير واقعية إذ إن رفض أزعور واعتباره مرشح “تحدٍّ ومواجهة” من شأنه أن يمدد أمد الفراغ لأشهر إضافية (“حزب الله” تكلم عن سنوات) وخطورة تحوله إلى مواجهة طائفية مسيحية-شيعية تحول أزعور في أحسن الأحوال إلى مرشح مقايضة يؤدي إلى إلغاء الترشيحين وتمهيد الطريق لقائد الجيش. فماذا إذا قرر أزعور مفاجأة الجميع بالانسحاب؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |