غسّان تويني في يومه… وأيّامنا
كم نفتقد الكبار في زمن الخلاف على الصغائر. وكم ننتظر مقالة الإثنين، ونحن نبحث عن رئيس في نفق المصالح السياسيّة التي ترفّع عنها الراحل الكبير. وكم نعود إلى ما تركه من أرشيفٍ، مكتوبٍ ومصوّر، لنستلهم منه الأفكار التي تصلح لما نعيشه، ما دمنا في بلدٍ يُعيد فيه التاريخ نفسه سريعاً، ولا نتعلّم.
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
نتذكّر اليوم غسان تويني. لا تحتاج، مع الكبار، إلى أن تضيف ألقاباً قبل الإسم.
يرتبط اسم غسان تويني في ذاكرتي ووجداني بأكثر من صفة وموقف وموقع.
هو يعني بيروت، التي كانت مسرحاً ومطبعة وكتباً تحتلّ موقعها في مكتبة أو على رصيف، ومثقّفين في المقاهي يحلمون بعالمٍ أجمل وأكثر عدالة. وكانت بيروت لوحةً فيها فتاة جميلة تبتسم بخجل. وكان باعة الصحف ينادون بعناوينها العريضة. وكانت الحركة الطالبيّة والجامعات التي تنبض بالحياة. وكانت المطاعم التي تمزج لك اللقمة الطيّبة بالـ “أهلا وسهلا” يقولها مضيفك مبتسماً.
وهو يعني “النهار”، صحيفة تشبه لبنان. ثائرة، تتيح مساحةً للآراء المختلفة، عين العرب عليها وعينها على لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ الذي حاولوا قتله مراراً، وما أكثر الفاعلين.
وهو يعني الدبلوماسيّة اللبنانيّة التي كنّا نفتخر بها، يصرخ من على منبر الأمم المتحدة “اتركوا شعبي يعيش”، ويوصل صوت لبنان الذي تحوّل مساحةً لـ “حروب الآخرين على أرضه”، وهو التوصيف الذي أطلقه غسان تويني للحرب اللبنانيّة. حينها، معه، ومع الكبير الراحل فؤاد بطرس، كانت الدبلوماسيّة اللبنانيّة في عزّها، قبل أن تنحدر اليوم إلى زمن وزراء الخارجيّة العاجزين والسفراء الذين يرقصون ويعتدون ويُلاحَقون.
ويعني اسم غسان تويني القول الحرّ، والعمق في المعالجة، والقلم اللاذع الذي ينتظره صباحاً الحاكم والمواطن في آن، الأول يخشاه إذ يعجز عن تطويعه، والثاني يتنوّر منه، وقد جمع في قلمه وفكره بين الفلسفة والسهل الممتنع.
وغسان تويني هو أب جبران، الذي قاد ثورتنا كشباب، وكان المثال، وكان صاحب القَسم الأشهر، وكان “نهار الشباب” التي حرّكت فينا الرغبة بالتعبير. ولا ننسى ما قاله غسان حين رحل جبران، وحيده، وفيه مزيج من التعاليم المسيحيّة والقيم الإنسانيّة والأبعاد الفلسفيّة.
غسان تويني هو هذا كلّه وأكثر. وكم نفتقد الكبار في زمن الخلاف على الصغائر. وكم ننتظر مقالة الإثنين، ونحن نبحث عن رئيس في نفق المصالح السياسيّة التي ترفّع عنها الراحل الكبير. وكم نعود إلى ما تركه من أرشيفٍ، مكتوبٍ ومصوّر، لنستلهم منه الأفكار التي تصلح لما نعيشه، ما دمنا في بلدٍ يُعيد فيه التاريخ نفسه سريعاً، ولا نتعلّم.
مضى غسان تويني، إلى جوار جبران وناديا. لعلّهم يكتبون فوق ويقرأون. ولعلّهم يأسفون على ما آل إليه لبنان الذي أحبّوه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
35 عاماً… فهل نعطي رينيه معوض حقّه؟ | ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… |