الاغتيال “سلاحٌ” فَقَد فاعليّته… وجَدواه
حين يكون الاغتيال أحد “أساليب العمل السياسي” فإن المعركة تكون قاسية على مَن لا يملك هذا “الأسلوب”، لكن السؤال موجَّه إلى مَن يملكونه: هل نفع هذا “الأسلوب” وهذا “السلاح”؟
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
يروي النائب والوزير السابق مروان حمادة أنه عام 1982، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ساهم المبعوث الأميركي، اللبناني الأصل، فيليب حبيب، في إخراجه ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، إلى دمشق، وخلال الاجتماع مع الرئيس حافظ الأسد، وصل النقاش إلى مستقبل لبنان، مع انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيسًا للجمهورية، هنا قام الرئيس الأسد بحركة بيده، علامة اللامبالاة، وقال لهم: “انسوا بشير الجميل”، ويتابع مروان حمادة: “بعد ثلاثة أيام، اغتيل بشير الجميل”.
هذه الرواية التي كشف عنها حمادة أواخر السنة الفائتة، تكشف أن الاغتيالات في لبنان ليست بنت ساعتها، بل يُخطط لها، كما ليست يتيمة، بل لها “أب وأم”، وأحيانًا لا يتبرآن منها.
مناسبة هذا الكلام، أن وتيرة الحديث عن اغتيالات تزداد، في مفاصل ومحطات أساسية، لتغيِّر في معادلات أو لتبدِّل في مسارات، ولبنان خَبِر هذا النوع منذ بدء الحرب عام 1975 وصولًا إلى الماضي القريب.
الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يكن اغتياله سوى محاولة، لم تنجح كليًا، لخنقِ حالته وحيثيته، هاتان الحالة والحيثية تضاعفتا بعد استشهاده ليصبح برمزه ورمزيته، كرقم صعب لا يمكن تجاوزه على رغم مرور ثمانية عشر عامًا على اغتياله. اغتيال الرئيس الحريري سبقه تحذير له من صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي نصحه بمغادرة لبنان لأن هناك “تهديد جسدي له”، ولم يكتفِ الفرنسيون بتحذير الرئيس الحريري، بل إن هذه “المعلومة” كُشِفت في جريدة “الحياة” قبل أيام قليلة من الاغتيال.
قبل الرئيس الحريري، الرئيس بشير الجميل، على رغم مرور واحد وأربعين عامًا على اغتياله، فإنه ما زال من الأسماء القلائل التي يُجمع عليها المسيحيون خصوصًا واللبنانيون عمومًا.
أحيانًا تنجح الاغتيالات في تحقيق أهدافها ومفاعيلها، وأحيانًا تفشل.
إثر انتفاضة 14 آذار وثورة الأرز، خاف كثيرون من “تسونامي السيادة” الذي رفع شعار “حرية، سيادة، استقلال”، اعتقد منفذو الاغتيالات، ومَن وراءهم، أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سيوقف اندفاعة المنحى الاستقلالي الذي كان انطلق من لقاء قرنة شهوان إلى بكركي إلى المختارة، مع مصالحة الجبل، إلى قريطم مع الرافعة الهائلة للرئيس رفيق الحريري، لكن الاغتيال أعطى مفعولًا عكسيًا، فكان القرار بالمزيد من الاغتيالات: من سمير قصير إلى جورج حاوي إلى وليد عيدو إلى بيار الجميل إلى أنطوان غانم إلى جبران التويني إلى وسام الحسن إلى وسام عيد إلى فرنسوا الحاج إلى محمد شطح إلى محاولة اغتيال الياس المر ومي شدياق، إلى “افتتاح” محاولات الاغتيال مع النائب والوزير السابق مروان حماده، وبلغ الاغتيال ذروته بمحاولة “اغتيال العاصمة بيروت” في 7 أيار 2007، الذي سمَّاه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بـ “اليوم المجيد”.
حين يكون الاغتيال أحد “أساليب العمل السياسي” فإن المعركة تكون قاسية على مَن لا يملك هذا “الأسلوب”، لكن السؤال موجَّه إلى مَن يملكونه: هل نفع هذا “الأسلوب” وهذا “السلاح”؟ الموضوع يحتاج إلى مناقشة، خصوصًا أنه تأكَّد بالملموس أن “الإرهاب” ليس بالضرورة أنه يقود إلى “الترهيب” بدليل أن صوت السياديين ما زال مرتفعًا، حتى ولو أنّ بعض قادتهم تعبوا أو توقفوا أو أخطأوا، لكن ما هو مؤكد أن الفكرة ما زالت قائمة وأنّ السياديين ليسوا قلَّة.
عام 1977 اغتيل الزعيم كمال جنبلاط، فهل انتهت المختارة؟ كم يحتاج المجرمون إلى دروس ليُقلِعوا عن “سلاح” لم يعد يُجدي؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |