هل بدأت معركة تصفية الحسابات داخل التيار؟
تبني باسيل ترشيح جهاد أزعور شكل فرصة ذهبية لنواب وقيادات في التيار لكي تعبر عن معارضتها لباسيل من خلال رفضها انتخاب أزعور، ما تطلب تدخل الجنرال الأب المؤسس لكي يعود المتمردون إلى بيت الطاعة
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
ليس تفصيلاً في السياسة ولا في العلاقات وتوازنات السلطة في بلد مثل لبنان، بتركيبته المتنوعة الدقيقة والمعقدة والمتشابكة، ما جرى ويجري بين التيار العوني و”حزب الله”، والذي يقارب القطيعة رغم أن الطرفين يحاولان تفادي الوصول إلى هذه النتيجة.
تحالفٌ عمره سبع عشرة سنة ولد في مرحلة من أصعب المراحل التي مرّ بها لبنان (2006) وشهدت تحولاً مفصلياً في خارطته السياسية وتموضعه على إثر اغتيال رفيق الحريري وإجبار النظام السوري على سحب جيشه من لبنان. تحوّلٌ وجد فيه ميشال عون فرصة انتظرها طويلاً ليحقق حلمه المزمن برئاسة الجمهورية، فلجأ إلى نسج تحالف انتهازي مع “حزب الله” الذي طالما قال إنه ميليشيا مسلحة خارج الشرعية وخارج سلطة الدولة وتأتمر بأوامر سوريا وإيران.
عقد الطرفان زواجاً مصلحياً بامتياز بين ضدّين لا مشترك بينهما: تيار مسيحي لبناني اعتراضي وحزب مسلح عقائدي مذهبي لا يؤمن بلبنان ويدعو لجمهورية إسلامية.
حسن نصرالله كان يبحث عن شرعية وغطاء مسيحي يدخله في صلب اللعبة الداخلية للتعويض عن فقدان الغطاء السوري، وعون عن تعويم شيعي يوصله إلى قصر بعبدا بعد أن جوبه برفض من قوى 14 آذار. وغير ذلك لا شيء فعلياً يجمعهما.
عون يريد الدولة لكي يدخل جنة السلطة، فيما مبرر وجود نصرالله هو عدم قيام دولة.
ومن أجل تسويق هذه المعادلة لكي تسلك طريقها داخل صفوف التيار كان لا بد من تسليم المهمة إلى الصهر جبران باسيل صاحب الحظوة والمتعطش إلى السلطة، فكان المفاوض الأول لـ “ورقة التفاهم” مع “حزب الله”، ومن ثم الوريث والمسيطر الوحيد على التيار الذي فرضه حماه رئيساً عليه عام 2015. فكانت سنوات صاخبة وعسيرة غادر خلالها من غادر وأقصى باسيل العديد من القيادات والكوادر من طريقه إلى أن حقق “حزب الله” حلم الجنرال وفرضه رئيساً عام 2016. وأصبحت الرئاسة والتيار طيلة عهده إمارة عائلية تعج بالأبناء والمحظيين الذين يدورون من حول باسيل، وبدأ النزف الداخلي يتعمق إلى أن انتهت ولاية عون فجاء يوم الحساب. صحيح أنه لا يوجد كيمياء أساساً بين باسيل وسليمان فرنجيه، وهو منافس مباشر لا بل خصم للعم والصهر، سواء على الرئاسة أو على الزعامة الشمالية، لذلك كان تبني ترشيحه من قبل “حزب الله” بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير” بالنسبة لباسيل. صحيح أنه لم يعد هناك عملياً من مصالح تجمع الطرفين، فقد حصل عون على ما يريد مقابل إمساك “حزب الله” بمفاصل السلطة وفرض نفسه اللاعب شبه الأوحد. وهو قادر اليوم أن يبتز التيار وتحديداً باسيل بالأصوات التي منحه إياها في الانتخابات الأخيرة والمقاعد النيابية التي أمنها له حفاظاً على كتلته النيابية، التي بلغت 17 نائباً، ظنًّا من “حزب الله” أنّ باسيل سيبادله المعروف ويلتزم دعم فرنجية. غير أن تبني باسيل ترشيح جهاد أزعور شكل فرصة ذهبية لنواب وقيادات في التيار لكي تعبر عن معارضتها لباسيل من خلال رفضها انتخاب أزعور، ما تطلب تدخل الجنرال الأب المؤسس لكي يعود المتمردون إلى بيت الطاعة، وقد أصبحوا يشكلون حيثيات شعبية كل في دائرته، في المتن وبعبدا وجبيل، ومنهم من يطمح لمنافسته على رئاسة الجمهورية مثل ابراهيم كنعان.
ولكن هل يلعب هؤلاء المتمردون أيضاً من تحت الطاولة؟ وهل لـ “حزب الله” يد ومصلحة في تشجيعهم على الانقلاب؟ باسيل يقول إنّ الحزب يحركهم، وسابقاً كما تدعي إحدى صحف الممانعة، كان يقول لنصرالله أنهم عملاء بعض السفارات… أما هم فلا بد أنهم يعرفون جيداً أنّ التيار قام على اسم وزعامة عون وصورته كقائد عسكري مدافع عن الدولة ومؤسساتها، وبالتالي من الصعب الحلول محله أو وراثته. كما أنهم يعرفون أيضاً أن لا عونيين من دون عون، إذ أن كل الحركات السياسية المشابهة اندثرت مع غياب أو انكفاء زعيمها. وهذا ينطبق أيضاً وبطبيعة الحال على باسيل!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |