متى ستتشكل لحظة الوعي؟
إذا كانت التوازنات السياسيّة الدقيقة تحتّم الحذر الشديد لأن الإخلال بها من شأنه جر البلاد إلى توترات غير محمودة ولا يجوز القبول بها؛ إلا أن المبالغة في الركون إليها لتعطيل القرارات التي لا تصب في مصلحة هذا الفريق أو ذاك بات يطرح علامات استفهام كبرى خصوصاً على ضوء الانهيارات الهائلة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات.
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
على قدر ما تُشكّل الحريّات في لبنان و”الديمقراطيّة” اللبنانيّة متنفساً للتعبير عن الرأي بما تشمله من حرية التجمع والتظاهر وتشكيل النقابات والجمعيّات، بقدر ما تبدو قاصرة ومحتجزة في أسوار النظام الطائفي والمذهبي.
وإذا كانت الطائفيّة تفعل فعلها في لبنان منذ ما قبل قيام لبنان الكبير سنة 1920، فإن ذلك لا يلغي أنها قد إتخذت منعطفات جديدة بعد إتفاق الدوحة (2008) الذي منح بصورة غير مباشرة الطوائف المختلفة حق النقض على القرارات وابتُدع من خلاله ذاك المصطلح الشهير المسمّى “الميثاقيّة” وهو تدبير عجيب استعمل لتعطيل السلطة وشل المؤسسات.
لم تكن الصفة التمثيليّة داخل الطوائف والمذاهب يوماً من المعايير المحددة لتبوء الشخصيّات السياسيّة للمناصب الأرفع في الجمهوريّة خصوصاً تلك المتصلة بالمؤسسات الدستوريّة.
إنتخب العديد من رؤساء الجمهوريّات منذ حتى ما قبل 1943، ولم يكن المعيار يوماً حجمه التمثيلي في طائفته المارونيّة. الحجم التمثيلي للرئيس بشارة الخوري لم يكن حاسماً على الصعيد الشعبي بفعل وجود غريمه الرئيس إميل إده. الرئيس كميل شمعون استفاد من انضوائه في الجبهة الاشتراكيّة الوطنيّة التي أوصلته للرئاسة ومن ثم غادرها وراح يبني شعبيته بعيداً عنها.
وبينما حظي الرئيس فؤاد شهاب بحضور وطني نتيجة تأسيسه للجيش اللبناني وقيادته، فإن الرئيس شارل حلو لم يكن يحظى بتأييد شعبي عارم ولكن الأكيد أنه كان يحظى بإحترام كبير أسوة بكل الرؤساء السابقين.
وهكذا دواليك. الممارسة السياسيّة اليوم باتت تربطُ مختلف الأمور بالصفة التمثيليّة وبالميثاقيّة وهذا الأمر بات أيضاً يعكس عقماً في السياسة على صعيد الفهم والممارسة في الوقت ذاته.
من قال أن رئيس الجمهوريّة هو رئيس المسيحيين أو أن رئيس المجلس النيابي هو رئيس الشيعة؟ حتى في رئاسة الوزراء، كم من شخصيّة شغلت هذه المناصب ولم تكن تنطلق من قاعدة شعبيّة أو وطنيّة عريضة؟
بطبيعة الحال، إمتلاك شخصيّات معيّنة لحضور شعبي هو قيمة مضافة في العمل السياسي لأن من شأن ذلك توفير غطاء مطلوب يمكن من خلاله تحقيق الكثير من المنجزات المنتظرة، ولكن عدم توفره لا يعني بأي شكل من الأشكال إسقاط الحياة السياسيّة والدستوريّة وتعليقها إلى ما لا نهاية.
إذا كانت التوازنات السياسيّة الدقيقة تحتّم الحذر الشديد لأن الإخلال بها من شأنه جر البلاد إلى توترات غير محمودة ولا يجوز القبول بها؛ إلا أن المبالغة في الركون إليها لتعطيل القرارات التي لا تصب في مصلحة هذا الفريق أو ذاك بات يطرح علامات استفهام كبرى خصوصاً على ضوء الانهيارات الهائلة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات.
إن استمرار المراوحة في المسرح السياسي المحلي جعل المشهد قاتماً ومملاً. لا بد من تشكل لحظة وعي عند أولي الأمر قبل فوات الأوان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |