تسييس الدّين وتديين السِّياسة: المفارقات البنيويَّة!
تسييسُ الدّين وتديين السِّياسة مُعَادلة مليئَة بالمآزق، ولا تنقيَة لذاكرة كُلٍّ من هاتين المرجعيّتين سوى بعَودَةِ كُلٍّ منهما إلى معنى انخِراطِهما في بناءِ السَّلام بدل بناء متاريس الفصل والعزل.
كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:
الشعبويَّة قاتِلَة خصوصًا في مسار تسييس الدّين وتديين السِّياسة. من الواضِحِ بمكانٍ أنَّ الشعبويَّة التي يواجِهُها العالم اليَوم قائِمة في تسخير السِياق السِّياسيّ لخدمة أيديولوجيَّة دينيَّة، وفي استغلال المسألة الدّينيَّة لتأدِية مهمَّة سياسيَّة. هُنا يستقيمُ الحديثُ عن استِمرار تصاعُد شعبيَّة اليمين المتطرِّف خصوصًا على مستوى النُّخَبِ في الغَرب. الإشكاليَّة الأَساس هي في تبنّي هذه النُّخَب رؤيَةً قائِمة على صراع الهُويَّات. تراجَعت مُعَادلة صراع الحضارات حيثُ الشرق والغَربُ كانا في صُلبِ تكوين قُطبَيها الأساسييّن. صِراعُ الهُويَّات يستعيدُ الدّين مكوِّنًا أساسيًا في الفضاء العامّ.
في كُلِّ هذا ثمَّة مفارقات بنيويَّة. المُفَارَقَة الأولى تتعلَّق في تحطيم الحُدُود بين الدّين والسِّياسة رَغمَ القَولِ بدُوَل علمانيَّة ومدنيَّة في الغَرب. المفارقة الثَّانيَة تتمثَّلُ في الحاجَة إلى رَسمِ خطِّ تماسًّ حاسِم بين الدين والسِّياسة في الشرق. المفارقة الثَّالِثة تقُومُ في بحثٍ نبيل عن حدًّ أدنى من المساحة المشتركة بين الدّين والسياسة على قاعِدَة خدمة الخير العامّ.
في المُفَارقة الأولى أي تحطيم الحدود بين الدّين والسِّياسة في الغَرب بسببٍ من قلقٍ على الهُويَّة، ثمَّة ما يستدعي تعمُقًا من خلالِه في من يُسقِطُ الحدود ولماذا؟ وما معنى تعمُّق الإلحاد في هذا الغَرب، وتعبيراتُه متعدِّدة في سياقات السُّلوكيَّات المجتمعيَّة.
أمَّا في المُفَارقة الثَّانيَة حيثُ الحاجَةُ إلى رسم خطِّ تماسًّ حاسِم بين الدّين والسِّياسة في الشرق بسبب انتِفاضَةٍ على أنّ ما يُعتَبَرُ رجعيًّا يضرِبُ حريَّة الفَرد، فثمَّة ما يستدعي تعمُّقًا من خلالِه في إمكانيَّة تنقيَة الدّين من تشدُّدِه والسِّياسة من خُبثِها؟
تبقى المُفَارقة الثَّالِثة الباحِثَةُ عن مصالحَةٍ بين الدّين والسِّياسة، والحقيقة أنَّ هذه المُفَارقة تبقى الأَشدَّ تعقيدًا، إذ تنتفي في المساحة المشتركة بينهما حقيقَة خدمة الخير العامّ، لصالح توسيع مواقِع النُّفُوذ.
تسييسُ الدّين وتديين السِّياسة مُعَادلة مليئَة بالمآزق، ولا تنقيَة لذاكرة كُلٍّ من هاتين المرجعيّتين سوى بعَودَةِ كُلٍّ منهما إلى معنى انخِراطِهما في بناءِ السَّلام بدل بناء متاريس الفصل والعزل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أرتساخ قرة باغ بعد أوكرانيا…. أوهام الأيديولوجيَّات! | الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة | من كوبنهاغن إلى بيروت… فاعليّة الدّيموقراطيَّة وبارانويا المعادلات! |