حكى؟ ما حكى!
اجتماعات لودريان اللبنانية أزالت الغلالة الترويجية عن انتخاب رئيس من دون مساعدة خارجية، ولو أن بعض الساسة يصرون على أن جولة الموفد الفرنسي “إستطلاعية وليس لديه أي مقترح لطرحه ويسعى لإيجاد الحلول”.
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
“استأنفت” فرنسا اهتمامها بلبنان برعاية أميركية – سعودية – مصرية – قطرية، بعدما أعطى لقاء باريس بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إشارة الانطلاق لموفده الشخصي جان إيف لودريان للبدء في إعادة تقييم المشهد السياسي اللبناني في ضوء ما انتهت إليه الجولة الـ 12 لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية غير السعيدة بما آلت إليه شرانق أزماتها المتنوعة.
لن يكون لفرنسا الدور الذي عبّر عنه رئيسها يوم جاء بيروت، عقب تفجير المرفا في 4 آب 2020، وخاطب اللبنانيين، لاسيما الطبقة السياسية، متوعداً، كأنه روبسبيير العصر الذي عُرف بموقفه المعادي والرافض للنظام الملكي في بلاده، وكان أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في الثورة الفرنسية. وكان من المنادين بإعدام الملك لويس الـ 16 ما منحه شعبية ونفوذاً كبيرين، حتى رشحه الشعب وقيادات الثورة لتولي قيادة الحكومة التي تلت إسقاط النظام الملكي.
أعدم روبسبيير أكثر من 16 ألف شخص من عام 1793 حتى عام 1794 ثم قرر أعضاء الحكومة وقيادات الثورة التخلص منه باعتقاله ثم إعدامه بـ “المقصلة” برفقة 100 من أعوانه. لم يصب ذلك ماكرون، ففي الزيارة التالية انقلب على نفسه، وهادن الطبقة التي لامها، و”سلّم” بقيادتها السياسية للبلاد.
اليوم تعود فرنسا “الأم الحنون”، في حلة جديدة. تتبرأ من ماضي دورها القريب، متخلية عن تبني مرشح التوأم الشيعي، سليمان فرنجية، لاستحالة وصوله بسبب الرفض المسيحي العارم وترشيحه من قِبل «حزب الله» وعدم قدرته على حصد الأغلبية حتى في الدورة الثانية. والأمر يستجرّ، حكماً، وعلى طريقة العرب الأقدمين، في منازلاتهم، فارس لفارس، لأن في ذلك حداً أدنى من الترضية للتوأم ومرشحه.
اجتماعات لو دريان اللبنانية أزالت الغلالة الترويجية عن انتخاب رئيس من دون مساعدة خارجية، ولو أن بعض الساسة يصرون على أن جولة الموفد الفرنسي “إستطلاعية وليس لديه أي مقترح لطرحه ويسعى لإيجاد الحلول”. وليس ما يؤكد ذلك أكثر من مخاطبة السفيرة الأميركية دوروثي شيا اللبنانيين من واشنطن، عبر الشاشة، وتذكيرهم بما ورد في البيان الثلاثي الأميركي السعودي الفرنسي الصادر في نيويورك في أيلول 2022 وفيه “رئيس غير فاسد، يمكنه توحيد الشعب ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية ومواكبة مرحلة الاستحقاقات”.
يلتقي من اجتمع بهم لودريان على أنه استمع لهم، وحاورهم، ولم يقترح، وذلك لن يكون قبل أن يعود إلى مرجعيته، الرئيس ماكرون، ويتشاور الأخير مع الخماسي العربي- الأميركي، ويعود بمقترحات واضحة تتعدّى انتخاب الرئيس إلى علاجات فعلية لـ “رجل الشرق المريض”. فعندما ضربت الكارثة قلب بيروت، كان لبنان، أصلاً يرزح تحت وطأة الأزمات والتحديات الاقتصادية والتظاهرات الشعبية، كما كان يعاني من زيادةٍ في معدّلات الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب التوترات السياسية ونتيجة تزايد عدد المُصابين بفيروس كورونا. وقد تفاقم ذلك مع وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين على الأراضي اللبنانية.
عملياً، لا موعد محدد لرفع العلم الأبيض، وفي انتظار ذلك، سيشعل التوأم حملات التهويل، من نوع التكهن بتزايد مؤيدي فرنجية، وتضاؤل عدد مؤيدي جهاد أزعور، وأن “الواقعية تفترض الأخذ في الإعتبار المتغيرات الحاصلة في المنطقة، لا سيما على صعيد الإنفتاح السعودي – الإيراني، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية”، كأنما كان الأمران مأرباً سعودياً، لا مكسباً إيرانياً، متوازياً.
هل سيشق لودريان الطريق أمام مرشح ثالث؟
هو الأمر الأرجح بعدما جر التوأم الفرقاء إلى مواجهة ينكرها نهاراً، ويغذيها ليلاً، متخطياً، بإصرار، كل وجه من وجوه الديموقراطية، متمسكاً بتزييفها، مرة بزعم الأغلبية الشعبية، ومرات بزعم تحالف سري مع نواب غير مرئيين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |