فجوة جندرية في سوق العمل اللبنانية: 3 نساء مقابل 10 رجال.. والحلّ بالسياسات العامة والنية الحقيقية
إقرار السياسات المعتمدة في الكثير من البلدان العربية من شأنه أن يساعد على المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف القطاعات، ولا يمكن تحقيق المساواة لا في أسواق العمل ولا في غيرها دون قوانين تحكمها وتنظمها
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن منظمة الإسكوا وكشفها تقرير لقناة cnbc أنّ النساء في لبنان يشكّلن نحو 28% فقط من القوى العاملة مقارنة بـ 72 % من الرجال، أي أنّ 3 نساء فقط يشاركن في سوق العمل مقابل كل 10 رجال. وهي نسب متقاربة مع الأرقام التي أوردتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة – الدول العربية في العام 2022 والتي أفادت بأنّ معدل مشاركة النساء البالغات من عمر 15 سنة وأكثر في القوى العاملة هي 22% فقط مقابل 72% للرجال.
وفي السياق ذاته، حلّ لبنان مؤخّراً في المرتبة 145 من بين 153 دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة العالمية بين الجنسين 2020.
وفي تعليق على هذه النسب اعتبرت رئيسة ومؤسسة جمعية “مدنيات” ندى صالح عنيد في حديثها لـ “هنا لبنان” أنّها “لا تأخذ بالاعتبار العمل غير الرسمي الذي تقوم به المرأة في لبنان، فهناك سيدات عملهن غير مسجل كعمل، أو غير مأخوذ بالإحصاءات كمن تساعد زوجها أو أخاها أو أباها في سوبرماركت يمتلكها، أو في عمله كبيع منتجات محلية “أونلاين”، أو كالمزارعات غير التابعات لمؤسسة زراعية”.
وتتابع متوقفة عند الأسباب كالبيئة الاقتصادية الحالية المتمثلة بالأجور المتدنية في ظل أزمة انهيار العملة الوطنية، والتي أدّت إلى توقّف الكثير من النساء عن العمل، مشيرة إلى أنّه في العامين 2021 و2022 كان هناك 60 % من النساء الباحثات عن عمل من المتخرجات في كل المجالات.
ولعلّ أبرز تعبير عن حال المرأة حالياً في لبنان التوصيف الذي قدمته الناشطة بريجيت ليبيان، مديرة منظمة عدل بلا حدود في لبنان في تصريح في هذا المجال “عانت المرأة في لبنان من التمييز، وقد وصلنا لمرحلة يمكننا القول فيها إننا توقفنا عن التمييز بين امرأة ورجل. بات التمييز الآن بين النساء أنفسهن: هناك طبقتان من النساء، طبقة فقيرة معدمة وطبقة غنية قادرة على الوصول إلى كل الخدمات”.
إلى ذلك، فإنّ في لبنان نشاط بارز لكثير من المبادرات الداعمة لتحقيق المساواة بين الجنسين، من بينها إسهامات هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنذ العام 2012 في إشراك النساء بشكل كامل في المؤسسات والعمليات السياسية، وتزويدهن بوسائل للحصول على العمل اللائق وتأمين الدخل المعقول. كما تسعى إلى ضمان مشاركة المرأة في صنع القرار، وعلى مستويات الأسرة والمجتمع، وفي الالتزامات المتعلقة بالسلام والأمن، كي يتسنى للمرأة المشاركة على قدم المساواة مع الرجل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبنان. كما تُشرك هيئة الأمم المتحدة للمرأة الرجال والفتيان في معالجة الصور النمطية السلبية وعدم المساواة، وذلك تماشياً مع خطة عام 2030 والأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة التي وقع عليها لبنان.
وبرأي عنيد فإنّه في حال إقرار السياسات المعتمدة في الكثير من البلدان العربية، فذلك من شأنه أن يساعد على المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف القطاعات، متوقفة عند مثالين: الأول في الكويت حيث تتجاوز نسبة النساء العاملات تلك الموجودة عندنا، لأنّ هناك سياسات معتمدة تساعدهن في عملهن وتساهم في زيادة إنتاجيتهن. والثاني في أوروبا وتحديداً في فرنسا حيث اتّخذ مجلس الادارة في الكثير من المؤسسات الخاصة إجراءً ملزماً بأن يكون 30 % من أعضاء المجلس من النساء وهذا له تداعيات إيجابية على الصعيد الوطني وعلى كل الرجال والنساء في الشركة.
معتبرة أنّ الجميع يجب أن يخضعوا لامتحانات للنجاح في عضوية مجلس الإدارة، سيدات ورجال ومن هنا يرتفع مستوى الكفاءة والخبرة لدى الأعضاء، وبالتالي على مستوى الشركة ككل. وهكذا تحقّق المرأة المستوى المطلوب منها في الشركة وتفتح الآفاق لإبداعاتها وأفكارها القيمة.
ودعت عنيد في الختام إلى التفكير بمقاربة مهمة، فإن لم يكن هناك ما يرغمك فمن الصعب تحديد إلى أي مدى سترغم نفسك أو ستلتزم، ولكن عندما يكون هناك قوانين وسياسات عامة وتوجه عام فإن الأمر سيختلف بالتأكيد، فهناك الكثير من الأفكار والاقتراحات الكفيلة برفع نسبة النساء العاملات تدريجياً مقابل نسبة الرجال، لكن ما ينقصنا هو النية الحقيقية لدى أصحاب القرار. لافتة إلى أنه ليس من الضروري أن ننتظر الدولة كي تتحرّك، لكن من الضروري أن نطالبها بسياسات عامّة لأنّ البلد بحاجة لسياسات عامة تراعي التنوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |