لبنان والتضخم: معاناة مستمرة!
الإتجاه التصاعدي لأسعار السلع والخدمات مستمر بالتوازي مع انطلاق موسم الصيف وتحديداً للمغتربين وهذا أمر طبيعي، ولكن التضخم يفرض التحرك سريعاً نظراً لآثاره المؤذية للبنان بشكل عام.
كتبت ليليان مقبل لـ “This is Beirut“:
على خلفية الانخفاض الدراماتيكي في سعر الصرف في الربع الأول من العام 2023، تستمر معاناة اللبنانيين من الدولرة الشاملة وتسارع التضخم السنوي الذي وصلت نسبته إلى 270٪ في نيسان 2023، وفقاً للتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي والذي نُشر الخميس 29 حزيران.
على الأرض، ينتهج موزعو السلع والخدمات الاستهلاكية موقفاً دفاعياً لتبرير رفع أسعارهم بالدولار في سوق مدولرة بنسبة 85٪ تقريبًا، متذرعين بالزيادة البالغة 6000٪ في “الدولار الجمركي” بالليرة اللبنانية. والذي ارتفع من 1500 ليرة إلى 45 ألف ليرة قبل أن يصبح موازياً لسعر منصة صيرفة الخاصة بمصرف لبنان والذي يبلغ حالياً 86200 ليرة مقابل الدولار. كما يعتقد هؤلاء أن ارتفاع الدولار الجمركي يؤثر على احتساب الضريبة على القيمة المضافة والتي يتكبدها المستهلك النهائي في نهاية المطاف.
ويدافع الوكلاء الاقتصاديون أيضًا عن قضيتهم، مصرّين على أن ارتفاع سعر الدولار الذي تحفّزه الجمارك والضرائب المرتفعة بشكل عام، يؤثر مباشرة على تحديد التكاليف الثابتة.
وفي السياق نفسه، تلفت جمعية تجار بيروت إلى ازدياد حجم المبيعات بالقيمة الاسمية، أي مع أخذ التضخم في عين الاعتبار، مع الإشارة إلى انخفاضها بالقيمة الحقيقية. ويهمس مصدر في الجمعية أن قيمة مؤشر التداولات الفصلية في مبيعات التجزئة ارتفعت بشكل هامشي من 28.90 نقطة في نهاية كانون الثاني 2022 إلى 29.23 نقطة في الربع الأول من العام 2023.
الدولرة المحدودة
وبعكس ما قد يعتقده البعض، تأتي الدولرة المحدودة والاختيارية التي أعلن عنها وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، كرد فعل على ارتفاع التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي. وعلى هذا النحو، لا يمكن النظر إليها كحل لمشكلة ارتفاع الأسعار، مع الإشارة إلى أنّ هدفها الأولي كان حماية أصول الناس من استمرار التدهور في قيمة العملة الوطنية. ويمكن تفسير استخدام الدولرة المحدودة والاختيارية في المعاملات التجارية بالرغبة بإدخال وسيلة دفع ووحدة حساب من ضمن حلول بديلة قد يفرضها ارتفاع تكلفة استخدام العملة الوطنية للمعاملات. ومع ذلك، لا يخلو هذا الإجراء من المخاطر حيث قد يترسخ على سبيل المثال في عادات الوكلاء حتى بعد استقرار قيمة العملة وتباطؤ التضخم.
كلمة تحذيرية
يوضح أحد التجار من القطاع الخاص لـ This is Beirut أن الطلب من تجار الجملة متوسط بشكل عام، لافتاً إلى أنّ الخطورة تكمن في قيام موردي المنتجات والخدمات برفع أسعارهم باستمرار. كما يشير إلى أنه لا يمكن بأي حال الإتكال على الإيرادات المتوقعة من الوافدين والسياح خلال موسم الصيف للتخفيف من العجز المزدوج في ميزان المدفوعات وميزانية الدولة. وفي السياق نفسه، حذر من انعكاس التضخم على سمعة لبنان، مبيناً أن “سمعة البلاد كدولة باهظة الثمن ستضرّ بالجميع دون آفاق لتصحيح الوضع”. كما حذر التاجر من الإجراءات التي قد تقوض القدرة التنافسية للبلاد، مشيرًا بشكل خاص لقطاعات الفنادق والمطاعم والتجارة، حيث أنّ لبنان أصبح من المنافسين في هذا القطاع الأخير منذ إدخال الضريبة على القيمة المضافة في دول الخليج.
“درع التعرفة” والقدرة التنافسية
لا شك بأنه يتوجب على الدولة المسارعة بضبط الأسعار، ولكن هذا الإجراء يكاد يكون مستحيلاً في ظل المناخ الاقتصادي الحالي. وفي الأصل، لا يخفى رد فعل وزارة الاقتصاد على أحد، وهي التي تشير على الدوام لافتقارها للقوة البشرية لتنفيذ مثل هذه المهمة. أما بالنسبة للجوء لمبدأ “درع التعرفة” للكهرباء والغاز والذي يعتمد كتدبير إرشادي لبعض القطاعات الإنتاجية كما في فرنسا، فغير عملي لا بل مستحيل حالياً في ظل الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية.. ربما يبقى التنافس بين الوكلاء من نفس القطاع، الحل الوحيد لتحريك المياه الراكدة في السوق المحلية!
مواضيع ذات صلة :
تلاعب في ربطة الخبز… والوزارة بالمرصاد | أعلى مستوى في 18 شهراً.. إرتفاع أسعار الغذاء العالمية | تصاعد حركة النزوح في لبنان: معاناة وارتفاع الأسعار في ظل الأزمات |