تجاهل “المنظومة” لقضية المفقودين في سوريا… وصمة عار لن يمحوها التاريخ!
ما فعله وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب ممثلاً الحكومة اللبنانية، حين أعلن امتناع لبنان عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء هيئة مستقلة ترعاها الأمم المتحدة، مهمتها توضيح مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا، طغى على كلّ خيبات الأمل الحالية والسابقة وربما المستقبلية
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
تتوالى المفاجآت السلبية والمخزية، التي تتخذها المنظومة الحاكمة منذ تواجدها في السلطة، لذا يمكن القول أنّنا اعتدنا عليها ولم تعد تهزّنا، لأنّ الانهيارات كما المفاجآت تتوالى بدورها ومن كل الجهات، لكنّ ما فعله وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب ممثلاً الحكومة اللبنانية، حين أعلن امتناع لبنان عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء هيئة مستقلة ترعاها الأمم المتحدة، مهمتها توضيح مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا، طغى على كلّ خيبات الأمل الحالية والسابقة وربما المستقبلية، مستعيناً بحجة “أنّ معظم الدول العربية امتنعت عن التصويت”، مع استذكاره المتأخر جداً لحياد لبنان في هذه القضية فقط!!
إلى ذلك وبعد كل سنوات القهر والعذاب والذل، التي ذاقها المعتقلون اللبنانيون وغيرهم في السجون السورية، أتى إعلان خارجي بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا، وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم، فيما بلدهم وضعهم في غياهب النسيان عن قصد، غير آبه بمصيرهم على مدى عقود من الزمن، لأنهم دافعوا عن سيادة واستقلال بلدهم، وبعضهم ُخطف لأسباب واهية، لأنّه لم يكن مؤيداً للنظام السوري وإلى ما هنالك من أسباب يرفضها المنطق.
لكن هيهات من كل ما ذكرنا أمام دولة تناست هذه القضية الإنسانية المحقّة، ولم يرفّ لها جفنٌ أمام ويلات ومآسي أبنائها المخفيين والمخطوفين، فكان الموقف المخجل مع حجج كالعادة لم تقنع أحداً، لأنّ الامتناع عن التصويت على مشروع القرار المذكور “جاء تماشياً مع شبه الإجماع العربي الرافض لهذه الخطوة، وفق ما قال الوزير بو حبيب، رغبة منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني، وانسجاماً مع سياسة عدم الانجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل، لانّ لبنان متمسّك بحل هذه القضية كما قضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا”.
معتقلون مسجونون في ذاكرة النسيان
هذا المشهد القاتم كان كافياً لتطويق معظم اللبنانيين بإحباط فريد من نوعه، خصوصاً أهالي المخفيين بعد مضّي سنوات وسنوات سوداء على المطالبة بمعرفة مصيرهم، لكن من دون أي نتيجة، لذا بات الأهالي يشعرون بأنّ أبناءهم أصبحوا مسجونين في ذاكرة النسيان من قبل دولتهم، التي لا تسأل منذ اليوم الأول عن ملفّهم وكأنّهم لا ينتمون إلى أرضها.
وحدهم الأهالي يستذكرون وجع فلذات أكبادهم، ويعيدون المآسي إلى الواقع، فإذا بالمشاهد اليوم تحاكي الألم وتطلق العنان للقهر والرفض للقرار من أغلبية اللبنانيين، وبصورة خاصة من الأهالي، وجمعية المعتقلين اللبنانيين التي دعت الوزير بو حبيب إلى الاستقالة والاعتذار، وحمّلت في بيان لها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وكل الوزراء كامل المسؤولية، وأبرزهم وزير الخارجية مع سؤال: “ألا يخجل مما سيقوله التاريخ عنه وعن هذه الحكومة اللا وطنية، التي تعمل لصالح قاتل ومجرم حرب وسفاح؟
علي أبو دهن: بعض الوزراء مرتهنين للثنائي الشيعي وسوريا
في السياق اعتبر رئيس جمعية المعتقلين في السجون السورية الأسير المحرّر علي أبو دهن في حديث لموقع “هنا لبنان” أنّ ما قامت به الحكومة عمل معيب جداً، وإهانة لأمّهات ما زلن ينتظرن أبناءهن، لأنّ الأمل موجود لديهن على الرغم من كل شيء. وسأل: “أين الدولة والحكومة وخصوصاً الوزير عبدالله بو حبيب، أيعقل أن يسود هذا الصمت المريب؟ لكن وفي ظل الخطوة المرفوضة التي قامت بها الحكومة، نؤكد كجمعية أنّنا سنتكاتف مع كل مَن يمد لنا يد العون والمساعدة للوصول إلى هدفنا، أي معرفة مصير المخفيين والمسجونين، وإعادة رفاة رفاقنا المتوفين لدفنهم بكرامة في وطنهم”.
ورداً على سؤال حول سبب قيام الحكومة بذلك، أجاب ابو دهن: “للأسف تبريرات الوزير بو حبيب كانت عذراً أقبح من ذنب، إذ قال: “أعلنت سابقاً بأنّ لبنان سيمتنع عن التصويت ولم يقل لي أحد من الأهالي أي شيء”.
وتابع ابو دهن: “أساساً لا نعتبره وزير خارجيتنا والمفروض أن يكون ممثلاً لكل اللبنانيين، وليس لفئة طاغية لا تسمح له بالتحدث أو إعطاء رأيه، لكننا نقول له بأنّ القرار صدر ونحن بانتظار الآلية التي ستتبعها الأمم المتحدة، وسوف نعمل معها كجمعية للمعتقلين ولجنة أهالي لتصويب الأمور، ووضع الملف ضمن مشروع تلك الأمم، واتّكالنا اليوم على الصحافة أمثالكم أي المكتوبة، إضافة إلى كلّ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لمساعدتنا في تحقيق هدفنا.
ورأى أبو دهن بأنّ بعض الوزراء مرتهنون للثنائي الشيعي، وخصوصاً لحزب الله بالاتفاق مع سوريا.
عزيمة الأمّهات والأمل الموجود..
كما كان لـ ” هنا لبنان” حديث مع إحدى الأمّهات التي تنتظر ابنها المعتقل في سوريا ج. د، والأمل موجود لديها، حتى ولو مضى على غيابه أكثر من 35 عاماً، إذ يفترض بالدولة أن تكون قد جمعت المعطيات التي تملكها منذ العام 1990، وحينها كان هناك تعاون بين أجهزة البلدين في لبنان وسوريا، لكن للأسف فهي لا تقوم بواجباتها لتجمع الأدلة وتواجه بها، وقالت: “نريد الجواب من الجانبين اللبناني والسوري، فهل باستطاعتهم إعطاء أجوبة صريحة عن مصير أبنائنا؟ مؤكدة بأنّ العزيمة ما زالت قوية وهي في ازدياد، والإيمان والقوّة يتحكّمان دائماً بنا كي نصل إلى هدفنا بعودة أبنائنا، مشددةً على ضرورة أن يتحّمل الجميع مسؤولياته في هذا الإطار، بطريقة جدية وعملية كي يغلق هذا الملف بأسرع وقت ممكن، والمطلوب جهد مشترك من الجانبين، لكشف كل المعلومات عن هذه القضية الإنسانية بامتياز، فكيف لدولة أن تتخلّى عن أولادها بهذه الطريقة وأمام أنظار العالم؟ فيما هم اعتقلوا للدفاع عنها…