وقف الـ”هيركات” على سحوبات الـ” 158″: يضبط سعر الصرف ويصب باتجاه الإصلاحات
السبب الرئيسي وراء اتخاذ المصرف المركزي لهذا القرار هو تقليص أو تخفيض الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانيّة، ما يوازي بين الكتل النقديّة بالدولار والليرة اللبنانيّة.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
قرّر المجلس المركزي لمصرف لبنان في اجتماعه يوم الخميس 27 حزيران 2023، التمديد للتعميمين 151 و158. فالتعميم 151 الذي يتعلّق بالإجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية، لم يطرأ عليه أي تعديل، إذ بقي سحب الودائع على سعر صرف 15 ألف ليرة. أما التعميم 158 الذي كان يخوّل المستفيدين منه سحب 400 دولار نقداً، “فريش” و400 دولار بالليرة اللبنانية على سعر 15 ألف ليرة، فقد عُدّل لتقتصر السحوبات على 400 دولار نقداً فقط، أي تمّ وقف الـ”هيركات”.
وتضاف هذه الخطوة إلى سلسلة الخطوات والقرارات التي يتّخذها المركزي بالتعاون مع المصارف لإعادة الثقة إلى القطاع المصرفي، وتنشيط عجلة هذا الأخير.
فما أهميّة هذا التعميم؟ وما انعكاساته؟
في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد، أنّ “السبب الرئيسي وراء اتخاذ المصرف المركزي لهكذا قرار هو تقليص أو تخفيض الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانيّة، أي هي محاولة لتقليص كميّة الليرة الموجودة في الأسواق اللبنانيّة، ما يوازي بين الكتل النقديّة بالدولار والليرة اللبنانيّة، خصوصاً بعد أن وصل حجم التضخّم إلى 270%، فيما الدين العام يتوقّع أن يتجاوز الـ550% مع حلول العام 2027، وشهد الاقتصاد انكماشاً ناهز 40%، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، كلّ ذلك بحسب أرقام صندوق النقد الدولي”.
ويضيف عبد الصمد “وبذلك تكون المصارف تدفع بالدولار الفريش فقط لعملائها، وهي بذلك تساهم في تخفيض التعامل بالليرة اللبنانيّة في الأسواق ما يساهم في خلق التوازن بين العرض والطلب في السوق ويبقي سعر الصرف مضبوطاً قدر الإمكان. فعندما يقلّ عرض الليرة في الأسواق، سيرتفع الطلب عليها ما سيخفّض من قيمة سعر صرف الدولار في السوق الموازية وفق قاعدة العرض والطلب، وإن لم ينخفض سعر الصرف على الأقلّ بقي مضبوطاً وتمّ لجم ارتفاعه”.
ويتابع “هذه العمليّة ستحدّ من تلاعب الصرافين في سعر الصرف، وخصوصاً غير الشرعيين منهم والمضاربين، وهكذا تصبح المصارف اليد الأساسيّة نوعاً ما في التحكّم بسعر الصرف، طبعا ليس 100% ولكنها ستلعب دوراً بالتحكّم وضبط سعر الصرف”.
واعتبر خلدون أنّ “هذه الخطوات جميعها تذهب باتجاه الإصلاحات التي يطالب بها البنك الدولي والمجتمع الدولي لبنان، وعلى رأسها تحديد سعر الصرف عبر منصّة واحدة وصولاً إلى توحيده”.
كابيتال كونترول مبسّط
من جهّته يرى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أنّ “هذين التعميمين هما نموذج للكابيتال كونترول بطبيعته المبسّطة حيث يكون هناك سقوف على السحوبات، وهي 400$، وكلّ من يريد أن يسحب فوق هذا المبلغ يدفع غرامة، فيكون فيها السحب على الـ15 ألف ليرة، مع هيركات حوالي الـ80%، حيث سعر الصرف في السوق السوداء 92 ألف ليرة، ما يحفّز المواطنين على عدم سحب أكثر من 400$ أو تحويل أكثر من 400$، وبذلك نكون قد دخلنا فعلاً في الكابيتال كونترول، على الدولار القديم الذي يخضع لهذه التعاميم”.
محاولة لتوحيد أسعار الصرف
ويلفت مارديني إلى أنّ “هناك محاولة لتوحيد جميع أسعار سعر الصرف وفق منصّة صيرفة (جميع الضرائب بالدولار: كالجمرك، الـtva)، كما تمّ إلغاء الـ12 ألف ليرة كسعر صرف، وبقيت الـ15 ألف ليرة والتي تستخدم فقط للكابيتال كونترول، وبذلك نستطيع أن نقول أنّ سعر الصرف الرسمي، هو 86 ألف ليرة أيّ سعر منصّة صيرفة، وهو الاتجاه الذي يطالب به صندوق النقد الدولي”.
ويعتبر أنّ “هذه الخطوة تخدم السعي لتخفيض سعر الصرف في السوق السوداء خصوصًا على أبواب الموسم السياحي الصيفي، حيث ستتمكّن الدولة من لمّ أموال المغتربين أو الأجانب السوّاح، على سعر صرف منخفض نسبياً، ما سيخفّف من ضخّ الليرة في السوق، والذي سيؤدّي إلى تحسن طفيف في سعر صرف الليرة، وهذه محاولة لتجفيف الليرة من السوق وتخفيض الدولار، إلاّ أنّ هذه العمليّة لن تكون مستدامة لأنّ كلفتها تخسّر المصرف المركزي الدولارات”.