فرنسا في دوَّامة صِراعَي اليمين واليسار!

الانتِخاباتِ الأخيرة في فرنسا، أثبتت، وعلى الرَّغم من تقدُّم اليمين فيها، والمتطرِّف منه تحديدًا، أنَّها ترفُض الخضوع لموجات الشعبويَّة، والعنصريَّة، والراديكاليَّة القوميَّة.

كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:

“الإستبلشمنت” الفرنسي مُربَك. كُلُّه مُربَك من سياسيّيه، إلى أمنيّيه، إلى اقتِصاديّيه، إلى مثقَّفيه، إلى أكاديمييّه، إلى إداريّيه، إلى نقابيّيه، إلى مغترِبيه، إلى إعلامِه، ما تواجِهُه فرنسا من أُسبوع يستعيد تشوُّهات العام 2005 بنَسخَةٍ معدَّلة. مقتل الشابّ نائِل على يد عنصُرٍ في الشُّرطَة فجَّر مكبوتاتٍ وخفايا استرسَل في وصفها كثيرون بفَشل النِّظام في منهجيَّة الدَّمج المجتمعيّ من ناحِيَة، لينقلها آخرون إلى غيابِ الحَوكمة السَّليمة في ضبط نزعات التطرُّف والتَّخريب من ناحِيَةٍ أُخرَى. في النَّاحيتين هاتين كان إهمالٌ لدوَّامَةِ الصِّراع على النُّفوذ التي يتواجَهُ فيها اليسار واليمين في فرنسا، مع غيابٍ بينهما، وفي كُلٍّ منهُما، لأيّ وسط.
من المُمكِن مُتابعة هذه المواجهة على وسائل الإعلام، إذ تتولَّى شخصيَّاتٌ سياسيَّة ونقابيَّة وأكاديميَّة مَهَمَّة بناء تفكيك معنى الوقائع الصَّادمة من حرقٍ، وسرقة، وتدميرٍ للأملاك العامَّة والخاصَّة، بتحليلاتٍ تتنقَّلُ من الأخطاء المميتَة في اعتِماد سياسة الأبواب المفتوحة في الهُجرَة، إلى انعِدامِ التَّربيَة السَّليمة على قِيَم الجمهوريَّة، أي الحريَّة والأُخُوَّة والمساواة، وبينهما تأكيدٌ على أنَّ ما يجري في فرنسا اليَوم هو صراعٌ على هويَّة النِّظام أكثر مِنه ما هو خَلَلٌ في طبيعة الانتِظام العامّ.
في هذه المُعادلة الأخيرة مُبالَغة فادِحة من حيثُ القِيَم التي تتشكَّلُ على أساسِها مقوِّماتَ العقد الاجتِماعيّ للشَّعب الفرنسي، وفي صُلبِه الدُّستور، والمؤسَّسات، والقوانين المرعيَّة الإجراء، على أنَّ ما يجمَعُ بين هذه حقوق الإنسان.
وفي هذه المُعَادلة الأخيرة مغالطةٌ بنيويَّةٌ أيضًا إذ إنَّ الانتِخاباتِ الأخيرة في فرنسا، أثبتت، وعلى الرَّغم من تقدُّم اليمين فيها، والمتطرِّف منه تحديدًا، أنَّها ترفُض الخضوع لموجات الشعبويَّة، والعنصريَّة، والراديكاليَّة القوميَّة. وبالتَّالي فإنَّ قِيَم الجمهوريَّة الخامسة ودستورها يستمرَّان في سيادَةٍ حاسِمَة ولو أنَّ الديموقراطيَّة المؤسَّساتيَّة فيها، كما ديناميَّة الرأي العامّ، على الكثير من التساؤلاتِ الوجوديَّة الدَّقيقة.
يبقى أنَّ القَول بأنَّ فرنسا إمَّا تُعاني أزمة هويَّة بسبب التعدُّديَّات التي احتضنتها، أو هي أدنى قاب قوسين من انفِجارٍ داخليّ، يبقى أنَّهما على الكثيرِ من الوَهم والبروباغندا الخبيثة اللَّذين يبثُّهُما من يُعاني مآزِق تاريخيَّة من روسيا على مثيلاتها.

مواضيع مماثلة للكاتب:

أرتساخ قرة باغ بعد أوكرانيا…. أوهام الأيديولوجيَّات!

الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة

من كوبنهاغن إلى بيروت… فاعليّة الدّيموقراطيَّة وبارانويا المعادلات!