بيان نواب الحاكم حرّك المياه الراكدة.. ومصرف لبنان هو المؤسّسة الوحيدة التي تستطيع أخذ قرارات
خاص “هنا لبنان”
اعتبر الخبير المالي نسيب غبريل في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ “المشكلة ليست بانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بل بعدم وجود رئيس للجمهورية في ظلّ حكومة تصريف أعمال منذ انتهاء الانتخابات النيابيّة في أيّار 2022. وقد أدّى غياب الاتفاق لانتخاب رئيس للجمهوريّة إلى تكهّنات لما قد يحصل في نهاية تمّوز 2023. ففي أوّل العام كان هناك حديث أنّ على الحكومة تعيين حاكم أصيل يقسم اليمين أمام مجلس الوزراء أو تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان، أو التمديد مؤقتاً لسلامة لغاية انتخاب رئيس للجمهورية فتعيين حاكم أصيل لاحقاً، وجميع هذه الخيارات أسقطت ولم يتم الحديث عنها مجدداً، فالاتجاه أصبح نحو تطبيق القانون، وتحديداً قانون النقد والتسليف والذي ينصّ بشكل واضح على أنّه وفي حال لم يستطع حاكم مصرف لبنان الاستمرار بمسؤولياته فنائبه الأوّل هو من يستلم سدّة الحاكميّة بالتكليف لغاية تعيين حاكم بالأصالة. والاعتراضات على هذا الموضوع خفتت، خصوصاً من ناحية أنّ هذا الأمر غير محبّذ، وكان الجوّ يظهر بأنّ الطريق معبّدة أمام نائب الحاكم لاستلام الحاكميّة من خلال تطبيق القانون، وكان هناك نوع من عمليّة التسلّم والتسليم التدريجي، بين الحاكم ونائبه الأوّل وصولاً إلى آخر تموز، نظراً لأنّ هذا هو الخيار القانوني الوحيد المتاح، إلى أن خرج بيان النواب الأربعة التحذيري”.
ويضيف غبريل “كان بيان النوّاب الأربعة مفاجئاً، لأنّهم عادة لا يصرّحون للإعلام ولا يصدرون بيانات، ولكنّ وبما أنّنا في وضع استثنائي ارتأوا أن يصدروا هذا البيان. والشق الإيجابي فيه، هو تحريك المياه الراكدة سياسيا، من جهة إلحاحهم على ضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة ليتمكّنوا من تعيين حاكم أصيل. ومن الناحية الأخرى تمّ التركيز على المادّة 18 من قانون النقد والتسليف لتعيين حاكم، إلّا أنّ هناك مادّة أخرى لم يذكرها البيان وتقول أنّه في حال عدم قدرة الحاكم على أداء مهامه فعلى نائبه الأوّل أن يستلم المنصب من بعده، وهذا البند لم يذكر في البيان. إلّا أنّه وبجميع الأحول للنواب جميع الحقّ بما جاء في بيانهم من جهة ضرورة تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، نظراً لأهميّة هذه المؤسّسة وحساسيّة المركز والوضع الحالي الذي نحن فيه. ولكن من جهة أخرى فإنّ قانون النقد والتسليف واضح ولا يحمل اجتهادات، والقرارات بهذا الموضوع تتخذ من الحاكم المركزي والنائب بالتكليف، والذي يتمتّع بكلّ الصلاحيات التي يتمتّع بها الحاكم الأصيل”.
وعن إمكانية الاستقالة الجماعيّة للنواب قال “نأمل أن يكون ذلك فقط نوعاً من الضغط على السلطة السياسيّة، حيث أنّ المشكلة ليست بصلاحيات الحكومة من عدمها، بل بالرغبة السياسيّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، ما يفتح الباب إلى تكليف رئيس لمجلس الوزراء والذي يشكّل بدوره حكومة، وهذه الأخيرة مجتمعة تعيّن حاكماً لمصرف لبنان. وتعيين الحاكم يكون عبر تقديم وزير الماليّة لعدد من الأسماء، إلى مجلس الوزراء، على أن يختار مجلس الوزراء اسماً منها، ولرئيس الجمهوريّة كلمة الفصل الأخيرة بهذا الموضوع. ولكن وبغياب رئيس للجمهوريّة، وفي ظلّ حكومة تصريف أعمال عاجزة عن أخذ قرارات بطريقة عاديّة، تتجّه الأنظار إلى بيان نوّاب الحاكم بدل التركيز على أهميّة الانتخابات الرئاسيّة، والجميع قلق من تداعيات هذا البيان”، متابعاً “إلّا أنني لا أعتقد أنّ هناك فعلاً توجّه بالاستقالة، لأنني أعوّل على مهنيّة وضمير ومسؤوليّة نواب الحاكم الأربعة، خصوصاً في هذا الوضع الحسّاس، ولكون مصرف لبنان أصبح المؤسّسة الوحيدة التي تستطيع أخذ قرارات، بما أنّ مجلس النوّاب مشلول ولا يستطيع اتخاذ قرارات في ظلّ غياب الرئيس. ومنذ اندلاع الأزمة وعلى الرغم من كلّ خلافات مجلس الوزراء والنوّاب، بقي مصرف لبنان يصدر التعاميم والقرارات لتعبئة هذا الفراغ السياسي، فآخر ما نحتاج إليه اليوم هو شلل في مؤسّسة عامّة أساسيّة أخرى”.
ويضيف غبريل “لقد رأينا ماذا حصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، بعدما لم يتمّ التمديد له، ولم يتمكّنوا من تعيين خليف أصيل له، تمّ تكليف المدير الحالي، واستمرّت هذه المديريّة بأداء مهامها على أكمل وجه. واقتصاد لبنان بحاجة لأن يستمرّ عمل مصرف لبنان بشكل طبيعي، والخيارات المتاحة هي أنّه وفي حال استقالة النواب الأربعة، فبإمكان مجلس الوزراء الطلب منهم الاستمرار بمهامهم على شكل تصريف أعمال، هم والحاكم، لغاية انتظام المؤسسات الدستوريّة وإمكانيّة تعيين حاكم أصيل”، مشيراً إلى أنّه “لا أعرف لماذا علينا اللجوء إلى هذه الحلول الملتوية، في الوقت الذي نملك فيه قانون النقد والتسليف والذي فيه بند واضح ينصّ على استلام النائب الأوّل الصلاحيات الكاملة للحاكم في حال لم يتمّكن الحاكم من إتمام مهامه. ولا شكّ بأنّ تعيين حاكم أصيل يجب أن يكون أولويّة ولا يجب أن نعتاد على إدارة المراكز العامّة بالتكليف، فالاستمرار بهذا المنحى يعني أنّنا مقبلون على تعميم هذا النموذج على جميع المؤسسات”.