لبنان تحت خطر الحرائق: بلديات عاجزة.. والدور الأكبر للدفاع المدني
يسجل لبنان سنوياً موجة حرائق في مختلف الغابات المنتشرة في عدد من البلدات، وتقدر خسائر المساحات الزراعية بألوف الهكتارات، وسط تضاعف الخشية من استحالة مواجهتها
كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:
كما في كل صيف، يترافق ارتفاع درجات الحرارة في لبنان مع هاجس اندلاع الحرائق وتمددها في أكثر من منطقة، إذ يسجل لبنان سنوياً موجة حرائق في مختلف الغابات المنتشرة في عدد من البلدات، وتقدر خسائر المساحات الزراعية بألوف الهكتارات.
ولأن إمكانات مكافحة هذه الحرائق خجولة نسبياً، تتضاعف الخشية من استحالة مواجهتها، سواء المرتبطة منها بعوامل بيئية أو تلك التي تمتدّ يد الإنسان لافتعالها، والأمثلة على ذلك كثيرة. ففي العام ٢٠١٩، نالت البلاد نصيبها الوافر من حرائق الغابات التي ناهزت 100 حريق بحسب الدفاع المدني اللبناني، والتي انتشرت على مساحات واسعة وامتدت إلى المناطق السكنية في كل من الشوف وإقليم الخروب وبيروت، وتوسعت لتشمل مناطق أخرى.
هذا وتعمل الأجهزة المعنية لمكافحة الحرائق باللحم الحي، ولا سيما الدفاع المدني الذي باتت آلياته متهالكة، كما يقدم الجيش اللبناني المساعدة اللازمة، أما البلديات فإمكانياتها معدومة نظراً لغياب التمويل، فيما يكمن دورها الأساسي في مراقبة المناطق الحرجية وتنفيذ مهمات على الأرض.
وفي هذا الإطار أوضحت مصادر متابعة لـ “هنا لبنان” أن تدخلات البلديات تتفاوت بين بلدية وأخرى، فكما هو متعارف البلديات مصنفة بين كبرى وصغرى. وتصل قدرة معظم البلديات بالسيطرة على الحرائق إلى ٥٪، والمهمة الأكبر تقع على عاتق الدفاع المدني الذي أعلن في بيان له أنّ مراكزه على أتمّ الجهوزية، كما دعا المواطنين إلى التقيد بالإرشادات حول التوعية من مخاطر حرائق الغابات في هذه الفترة بالذات وعدم استعمال الأسهم النارية والمفرقعات ما قد يتسبب بخسائر فادحة في الأحراج فضلاً عن أضرار في الممتلكات، مذكراً المواطنين بالاتصال بالرقم ١٢٥ فور مشاهدتهم أيّ دخان ناتج عن حريق وعند وقوع أي طارئ.
حركة المستجيب الأول
وكانت وزارة البيئة قد أطلقت منذ شهرين الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر حرائق الغابات والتي تعتمد على حركة المستجيب الأول ما يسمح بالعمل على التحرك الفوري لإخماد أي حريق، وتحدث الوزير ناصر ياسين في حينها عن تحضير صندوق طوارئ لدعم جهود الإطفاء.
وفي آخر الأرقام عن المساحات المحترقة فقد بلغت ١٤٤٩ هكتار، أما متوسط عدد الحرائق فقدر حتى الآن بأكثر من ١٦٧ حريقاً في حين أن طول موسم الحريق بلغ ٢٠٠ يوماً.
وحالياً يسجل اندلاع حرائق في عدد من مناطق الشمال، في ظل تخوّف المعنيين من اتساع رقعتها لا سيما بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقد أطلقت نداءات تحذيرية لتجنب وقوع كوارث.
وفي السياق، يقول رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك لـ “هنا لبنان” أن الطريقة الفضلى لمكافحة الحرائق هي عدم حصولها، ومؤخراً تم إطلاق ما يسمى بالإنذار المبكر من خلال عملية مراقبة للأحراج بالتعاون بين وزارة البيئة والدفاع المدني والبلديات والسلطات الرسمية وذلك في ظل غياب موظفين للأحراج، معلناً أن الأهالي خضعوا لتدريبات لا سيما في المناطق الأكثر عرضة للحرائق، كما تحرك المجتمع المدني. وهذا الإنذار سمي بحركة “المستجيب الأول”، أي عند رؤية الدخان يتم التحرك من أجل الإنقاذ، ما يعني أنّ الدقائق العشرين الأولى مهمة جداً، مشيراً إلى أنه باعتماد هذا الأمر خفت نسبة الحرائق، ومن الضروري تحلي الناس بالوعي.
ويلفت النائب يزبك إلى أن عديد الدفاع المدني قليل وانتشار الحرائق في أكثر من بقعة قد يجعل إخمادها صعباً، ولذلك هناك تعويل على وعي الناس، متحدثاً عن نشرة يومية توزع من الدفاع المدني تضم خرائط عن الغابات والمناطق التي يمكن أن تشهد ارتفاعاً في نسب الحرائق، ومعلوم أن هناك عوامل مساعدة كارتفاع الحرارة وسرعة الريح.
ودعا يزبك إلى المحافظة على البساط الأخضر وتجنب افتعال الحرائق من قبل مجموعات تريد المتاجرة بالحطب والفحم.
وعن دور البلديات في عملية مواجهة الحرائق، يؤكد أن مكافحتها لا تقع ضمن مهام البلديات التي يقتصر دورها على المساعدة في مراقبة المناطق الحرجية وتأمين برك مياه اصطناعية وآبار ارتوازية وتنظيف الأحراج من أجل تسهيل حركة المرور أمام الدفاع المدني والجيش.
ومن جهته يقول رئيس حزب البيئة العالمي د. دوميط كامل لـ “هنا لبنان” أنّ الحرائق في لبنان بعضها مفتعل وبعضها طبيعي، محذراً من اندلاع العشرات والعشرات منها في العام الحالي، حتى أنّ هناك خشية من أن يشهد لبنان حرائق أكثر خطورة من السنوات السابقة. والمشكلة بحسب الدكتور كامل تكمن في غياب التمويل المالي اللازم لمكافحتها دون إغفال مشكلة المياه.
ويرى أن لا قدرة للبلديات وأجهزتها على المواجهة بفعل انعدام الإمكانيات المادية واللوجستية، لافتاً إلى أن الحرائق المفتعلة تأتي نتيجة الرمي العشوائي للسجائر والبلاستيكيات والزجاج، مؤكداً أن لا دخان من دون نار ولا نار من دون إنسان، معلناً أن تنفيذ الخطط البيئية يواجه عراقيل.
ويتوقف عند انعكاس الاحتباس الحراري والقبة الحرارية على المنطقة ككل ما قد يؤدي إلى تغيير في درجات الحرارة وبالتالي إلى اندلاع الحرائق.
خطر اندلاع الحرائق قائم في أي لحظة، وما لم يتم التقيد بالإجراءات المطلوبة والتسلح بالوعي وحصول التعاون اللازم بين الجهات المختصة فإنّ لبنان لن يسلم منها على الإطلاق.