في الأفراح والأتراح وعند خطاب الزعيم.. رصاص طائش ابتهاجاً وحزناً!
تتكرّر المأساة والدولة نائمة في سباتها العميق، قصص حزينة لا تنتهي، دموع الأمهات تذرف على فلذات الأكباد، وآخرون معوّقون ما زالوا يعانون من آثار إجرام القتلة على أجسادهم… إلى متى؟ سؤال برسم “الدولة”!
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
إنه الرصاص الطائش الذي يختصر معاناة اللبنانيين، من السلاح المتفلّت المنتشر في معظم المناطق اللبنانية، هو الطريقة غير الحضارية التي يعبّر من خلالها البعض عن فرحهم بنجاح أولادهم في مدارسهم وجامعاتهم، وفي أي احتفال أو خطوبة أو عرس.. وكما في الأفراح فلا تغيب هذه الظاهرة عن الأتراح أيضاً، فيطلق الرصاص عند الوفاة ما يزيد من الحزن، بسبب هذه العادة السيئة البربرية، التي تؤدي في معظم الاحيان إلى سقوط ضحايا وجرحى ومعوقين وأضرار مادية، وآخر هذا التخلّف ما جرى منذ أيام قليلة في الشمال وتحديداً في طرابلس والمنية وعكار، حيث اُطلقت العيارات النارية، بعد إعلان نتائج شهادة الإمتياز الفني المهني TS، فاشتعلت سماء تلك المناطق بالأعيرة النارية، الأمر الذي نشر الذعر والفوضى، وسط غياب الدولة كالعادة عن ضبط الوضع، وتلك الظاهرة التي تخطف أرواحاً بريئة في كل مرة دون أي عقاب.
هذا التصّرف غير المسؤول الذي يرتقي إلى الجريمة المتمادية، بات تقليداً يتباهى به البعض، غير آبه بنتائجه الكارثية، في ظل دولة تبرز عضلاتها فقط أمام بعض الذين يطلقون النيران خلال الاحتفال بليلة رأس السنة، فيتم التحقيق معهم في اليوم الثاني لساعة من الوقت فقط…
ضحايا سقطوا نتيجة خلافات وابتهاج بطلّة الزعيم!
إلى ذلك نستعيد بعض مظاهر الحضارة، التي شهدناها خلال الأعوام القليلة الماضية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، في أيلول من العام 2021، حين سقطت الشابة تاتيانا واكيم ضحية الرصاص الطائش في أحد مطاعم كسروان، خلال إشكال بين شخصين فدفعت حياتها ثمناً لخلافهما، كذلك اللاعب الشهير محمد عطوي الذي قتل قبل ما يقارب العامين برصاصة طائشة في رأسه، في منطقة طريق الجديدة.
الأمثلة كثيرة للأسف، شباب في ربيع العمر ينضمون إلى مئات الضحايا الذين قتلوا من سلاح متفلت، لحظة إطلاق الزعيم خطابه الشعبوي، أو لحظة فوزه بالانتخابات النيابية، على غرار ما جرى في أيار من العام 2022، حين سقط أربعة أطفال ضحايا الجهل، والاحتفال بفوز نائب من قبل أزلامه المخلصين لولائه في منطقة جنوبية، وفي السياق تحدثت سيدة من آل خوام لموقع “هنا لبنان” من سكان منطقة الحازمية قائلة: “منذ شهر نجوت من الرصاص الطائش أثناء ركن سيارتي في موقفٍ مكشوف، وكاد الرصاص يصيبني إلا أنني سارعت للاختباء في مبنى مجاور، وبعد لحظات رأيت زجاج سيارتي مهشّماً مع أضرار مادية جسيمة، بالتزامن مع كلمة لنصرالله، سائلة ما ذنبنا إذا أرادوا الابتهاج بكلمته؟ ولماذا علينا أن ندفع الأثمان دائماً كي يفرح غيرنا بزعيمه؟
رصاص لاستقبال القادمين من بيت الله!
أما جديد هذه الظاهرة، فهو إطلاق الرصاص إبتهاجاً بعودة الحجاج من أداء مناسك الحج من بيت الله الحرام، مكللين بالأبيض، بعد رحلة من تطهير النفس من الذنوب والخطايا، فهل يُعقل أن يُستقبل الآتي من بيت الله بالرصاص؟ فيما المطلوب أن يُستقبل بالصلاة من قبل العائلة والمحبين.
حتى الطائرات لم تنجُ
ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى ما تعرضت له بعض الطائرات المدنية لحظة هبوطها في مطار بيروت، وفي هذا الإطار نستذكر ما حصل في آذار الماضي، حين نجت طائرة من كارثة إثر اشتباك مسلح بين عشيرتين، جرى خلاله إطلاق نار كثيف في الضاحية الجنوبية.
هذا غيض من فيض، وبحسب شركة “الدولية للمعلومات” التي أفادت موقعنا بأنّ عدد ضحايا الرصاص الطائش في لبنان، بلغ خلال السنوات العشر الماضية 81 ضحية و169 جريحاً.
القانون لم يطبّق ولم يردع…
وعلى الرغم من إقرار مجلس النواب القانون رقم 71/2016 الذي يجرم إطلاق عيارات نارية في الهواء، ويعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وتصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة، وبغرامة من 20 إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور (ما بين 13.5 مليون ليرة و16.8 مليون ليرة) في حال أدى إطلاق النار إلى الموت، فإن هذا القانون لم يشكل أي رادع ولم يطبّق.
تتكرّر المأساة والدولة نائمة في سباتها العميق، قصص حزينة لا تنتهي، دموع الأمهات تذرف على فلذات الأكباد، وآخرون معوّقون ما زالوا يعانون من آثار إجرام القتلة على أجسادهم… إلى متى؟ سؤال برسم “الدولة”!