“الاتّفاق السرّي” بين باسيل و”الحزب”: معاً نعطلّ الرئاسة
ليس هناك من سر يبقى سراً إلى ما شاء الله، بما ذلك الاتفاق بين شريكي “تفاهم مار مخايل” الذي صار من الماضي.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
بعد عودة مياه الحوار بين حارة حريك وميرنا الشالوحي إلى مجاريها، بدا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “مرتاحاً إلى وضعه” وفق المثل المعروف. أمّا مبعث الارتياح، فهو تفاهم أبرمه مع المسؤول المعني في “حزب الله” الحاج وفيق صفا، يقضي بإخراج الاستحقاق الرئاسي من التداول اليومي كي لا يتسبّب بأيّ إحراج للطرفين.
من راقب ما قاله النائب باسيل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أمام مخيم “التيار” في بشتودار، يلمس معالم هذا التفاهم، الذي تصفه أوساط إعلامية قريبة من الجانبين بـ “الاتفاق السّرّي”. وبمقتضى هذا الاتفاق، يركز الجانبان في مداولاتهما على كل شيء تقريباً باستثناء ما يتصل بالانتخابات الرئاسية. ونتيجة لذلك، بدا موضوع حاكمية مصرف لبنان، هو المفضل كي يشد “الحزب” و”التيار” من أزر بعضهما البعض. فـ “الحزب” من جانبه “مسك الواجب” مع “التيار” برفضه قيام حكومة تصريف الأعمال بتعيين حاكم أصيل للمركزي. فيما انصرف “التيار” إلى توجيه كلّ حملته نحو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما فعل أخيراً باسيل.
ووفق معلومات هذه الأوساط أن “الحزب” أبلغ باسيل، ما خلاصته: “لسنا مستعجلين كي تجري الانتخابات الرئاسية. وإذا كنا انتظرنا عامين و5 أشهر كي تجري هذه الانتخابات كي يصل العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية عام 2016، فالوقت ما زال مبكراً الآن كي تنضج الطبخة الرئاسية”. وفي حاشية موقف “الحزب” هذا، تقدير أن بضعة أشهر تفصلنا عن ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون. وإذا انتهت هذه الولاية في الشهر الأول من السنة الجديدة، يكون مسرح الترشيحات الرئاسية قد خلا من مرشح بارز حالياً هو قائد الجيش. ومن المعلوم أن “الحزب” و”التيار” يتقاطعان على رفض ترشيح قائد الجيش بدرجة متفاوتة بينهما. إذ بينما يبدي “الحزب” اعتراضاً هادئاً، يجاهر “التيار” بمعارضة حادة للعماد جوزيف عون.
ومن معالم “الاتفاق السري” أيضاً، أن فريقي الاتفاق يعتبران إطالة الوقت كي تنجز الانتخابات الرئاسية يعطيهما الفرصة الكافية للوصول إلى شروط أفضل لكل منهما في العهد الجديد. فمن ناحية “الحزب” يرى أن الظروف الراهنة تتميّز بتضافر الضغوط الداخلية والخارجية ضده وتحميله تبعات تأخير الانتخابات. فضلاً عن أنّ “الحزب” يرتبط بـ “كلمة” إيران النهائية في الاستحقاق بما يتواءم مع مصالح طهران الإقليمية والدولية. وتستعيد الأوساط الإعلامية مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016، وكيف كانت طهران تتعامل مع الانتخابات الرئاسية عبر شبكة مفاوضات شملت فيمن شملت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
أما من ناحية “التيار”، فهو وإن تقاطع مع المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، فهو لم يفعل ذلك للوصول إلى تقاطع جديد مع المعارضة، ولكن سيسعى إلى الوصول إلى موقف مشترك مع “الحزب” عندما تنضج الظروف في المرحلة المقبلة. وقد بدأ “التيار” يتحدث علناً عن خيار غير أزعور من دون الإفصاح عن تفاصيل هذا الخيار.
وكي لا يبدو الأمر وكأن الساحة خالية أمام اتفاق حارة حريك وميرنا الشالوحي، هناك معطيات تتحرك سراً وعلانية لا تبدو أنها رياح تشتهيها سفن فريق الاتفاق. ومن هذه المعطيات، أنّ خلوّ منصب الرئاسة الأولى لم يعد شأناً مماثلاً لما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عام 2014. ففي ذلك الوقت، استطاعت البلاد تحمل تبعات الفراغ الرئاسي حتى العام 2016. ويكفي فقط هنا المقارنة بين الأحوال الاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك والأحوال السائدة حالياً. وهنا المقارنة تتم بين سعر صرف للدولار كان 1500 ليرة وبين سعر صرف لهذه العملة هو الآن يناهز الـ 100 ألف ليرة.
وتسأل الأوساط: من يضمن أن تبقى أحوال لبنان على ما هي الآن إذا ما قفز سعر صرف الليرة ليصبح مئات الآلاف مقابل الدولار؟ هل سيتكيّف ملايين اللبنانيين الذين يتكلون على عملتهم كي يتدبروا أمر معيشتهم بكل تكاليفها؟
تخشى الأوساط من فوضى تعم لبنان في مرحلة ليست بعيدة تجعل كل الحسابات الراهنة مؤقتة، ولا شيء يضمن أن تبقى صالحة لاحقاً خصوصاً “الاتفاق السري” بين “الحزب” و”التيار”.
ومن المعطيات التي تبدو وشيكة هو التحرك الجديد الذي سيباشره الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان هذا الأسبوع في لبنان مستنداً إلى تحرّك ناشط لقطر التي أجرت في الأيام القليلة الماضية مشاورات بعيدة عن الأضواء مع قيادات من “حزب الله”.
ليس هناك من سر يبقى سراً إلى ما شاء الله، بما ذلك الاتفاق بين شريكي “تفاهم مار مخايل” الذي صار من الماضي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |