ظواهر مجتمعيّة خطيرة: ماذا بعد؟
تشوّهت الممارسة السياسيّة في لبنان كثيراً.. فلا يمكن أن تبقى القوى السياسيّة بمنأى عن فهم معنى الظواهر الخطيرة والمقلقة التي يشهدها المجتمع اللبناني، ومآلاتها المستقبليّة.
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
لا يمكن التقليل من أهميّة الأنباء المتتالية التي تتصدّر وسائل الإعلام في لبنان سواء عن حالات الانتحار أو “السقوط من على الشرفات” أو ترك الأطفال الرضّع في أيامهم الأولى على قارعة الطريق أو بالقرب من حاويات النفايات أو اغتصاب الأطفال حتى الموت، ولا يمكن التعامل معها ببرودة واستخفاف دون قراءة مدلولاتها الاجتماعيّة والنفسيّة على صعيد المجتمع برمته.
ولا يمكن أيضاً أن تواصل بعض القوى السياسيّة النافذة ممارسة السياسة وكأن البلاد تمر في ظروف طبيعيّة وأن تتنافس فيما بينها وكأن الحياة تسير دون أي عقبات أو مشاكل، وأن تواظب على تكرار موافقها بطريقة ببغائيّة خالية من أي حسّ إنساني لما تعانيه الشرائح الشعبيّة اللبنانيّة بغالبيتها الساحقة من أزمات متلاحقة.
السياسة، في نهاية المطاف، يفترض أن تكون في خدمة الناس ولأجلهم، لا أن تسرّع في استحقاق آجالهم مرضاً وجوعاً وشيخوخة مبكرة نتيجة القهر والهموم والمصاعب الحياتيّة والمعيشيّة التي لا تنتهي. تشوّهت كثيراً الممارسة السياسيّة في لبنان ليس في حقبة الحرب فحسب بسبب انزلاق البلاد نحو العنف بدل حل المشاكل السياسيّة وفق الحوار والقانون والمؤسسات، إنما أيضاً في مرحلة السلم.
إن التشوهات الكبيرة في العمل السياسي اللبناني من خلال الممارسات الهادفة لشل المؤسسات وضرب الدستور وتعليق العمل به وفق أهواء بعض القوى السياسيّة ومصالحها وأهدافها إنما بات يُضرّ بالمصلحة الوطنيّة اللبنانيّة وخرج حتماً عن الممارسات التقليديّة التي تدخل عادة ضمن ما اصطلح على تسميته “اللعبة السياسيّة”.
إن هذا الأداء المريض للعديد من القوى السياسيّة التي قلما اكترثت لشؤون المواطنين اللبنانيين والذي باتت مفاعيله الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة تنذر بعواقب وخيمة، يحتّم بناء مقاربات جديدة وغير كلاسيكيّة تتيح الخروج من هذه الدوامة والذهاب في اتجاهات جديدة يمكن من خلالها السعي لدخول مرحلة مختلفة تعيد بعض الأمل المفقود للبنانيين.
إن الظواهر الخطيرة التي يشهدها المجتمع مثل القتل والاغتصاب والانتحار والإتجار بالمخدرات في صفوف الشباب وغير الشباب ورمي الأطفال وسوى ذلك من الظواهر المقلقة والخطيرة والغريبة عن المجتمع اللبناني، لا يمكن أن تبقى القوى السياسيّة بمنأى عن فهم معناها ومآلاتها المستقبليّة.
قد لا يقرأ البعض في خبر التعنيف المتعمّد من قبل إحدى “المربيات” في دار للحضانة للأطفال سوى حالة نفسيّة مرضيّة عند فرد دون سواه، ولكن هذه السلوكيّات رغم طابعها الشخصي؛ إلّا أنّها تعكس في مكان معيّن أمراض المجتمع بأكمله. وهذا الكلام بالمناسبة لا يرمي إلى تبرئة صفحة تلك السيدة المريضة والمجرمة، بل إلى وضعه في سياقه المجتمعي والإنساني.
في نهاية المطاف، لا يمكن التعبير عن مشاعر الغضب والحزن إزاء هذا المشهد، مشهد الأطفال الذين يُعذبون في دار الحضانة ولا يمكن غضّ الطرف عن أمراض المجتمع أيضاً نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يليه انهيار أخلاقي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |