أوهام “وزارة الطاقة” تزيّف الحقيقة: لا انفراج كهربائي قريب!
مشاريع “الطاقة” من الفيول العراقي والغاز المصري والكهرباء الأردنيّة “طبخة بحص”
كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:
امتداداً لمفاعيل عملية شراء لبنان للنفط العراقي وتحويله إلى فيول لتشغيل معامل الكهرباء وزيادة ساعات التغذية التي تتراوح اليوم بين ساعتين وأربع ساعات يومياً، وقَّعَت وزارتا الطاقة اللبنانية والعراقية، يوم الجمعة 21 تموز، على تجديد عقد تزويد لبنان بزيت الوقود، مع زيادة الكمية 500 ألف طن متري، ليصبح مجموع ما يشتريه لبنان من العراق، مليوناً و500 ألف طن. وبالتوازي، وقَّعَ الجانبان مذكرة تفاهم منفصلة عن العقد الأوّل، وتنص على شراء لبنان 2 مليون طن متري من النفط الخام، بكلفة سنوية تصل إلى نحو مليار و200 مليون دولار. أيّ أنّ العراق وإلى جانب عقدها الأوّل مع لبنان والذي ينصّ على تزويد لبنان بالفيول مقابل خدمات، وقّعت عقداً آخر ينصّ على تزويد لبنان بـ2 طن متري من النفط الخام مقابل مبلغ بالدولار، مؤخَّر الدفع، لمدة 6 أشهر وبشروط مسهَّلة، حيث تجبي مؤسسة كهرباء لبنان الفواتير خلال الأشهر الستة هذه، على أن يسدّد بعدها لبنان ثمن الفيول للعراق.
تجديد اتفاقيّة التزويد مع زيادة 50%
وكان مجلس الوزراء العراقي، قد وافق يوم الثلاثاء 16 أيار الماضي، على تأمين كامل احتياجات لبنان من المشتقات النفطية لزوم تشغيل معامل الكهرباء لتأمين تغذية إضافية مع بداية موسم الصيف، عبر تجديد اتفاقية التزويد بشروطها الحالية، مع زيادة 50 بالمئة على الكمية السنوية.
وبالتوازي وافق على إبرام توقيع عقد جديد بشروط تجارية من دولة إلى دولة لتأمين ما يقارب 2 مليون طن في السنة من النفط الخام.
إلى ذلك لا يزال ملفّ استجرار الكهرباء من الأردن عالقاً بانتظار القرار الأميركي بهذا الشأن. حيث أنّ كلفة الكيلوواط الواحد من الأردن تُقدَّر بـ 12 سنتاً بينما كلفة كيلوواط من إنتاج معامل الكهرباء اللبنانية الكبيرة 15 سنتاً، من هنا كلفة الكهرباء من الأردن أقل وبالتالي يبقى هذا المشروع الحلّ الأفضل. كذلك الأمر بالنسبة إلى الغاز المصري حيث كلفة الكيلوواط/ ساعة 7 و8 سنتات وهي أدنى بكثير من كلفة الكهرباء المؤمَّنة من الغاز أويل. لذلك يبقى عقد استجرار الكهرباء من الأردن أفضل عقد شراكة مع لبنان بما يضمن تأمين كهرباء للبنان بكلفة تساوي نصف كلفة الطاقة البديلة التي يحصل عليها اليوم من الفيول.
الأردن جاهزة ولبنان بانتظار الضوء الأخضر الأميركي
وكان قد سُجّل موقف لمدير “شركة الكهرباء الوطنية الأردنية” ، أمجد الرواشدة، في 28 حزيران، أعلن فيه أنّ “الأردن جاهز لتزويد لبنان بالكهرباء، وأنّه ينتظر معالجة الجانب اللبناني بعض النقاط المتعلقة بالأمور المالية”.
إلاّ أنّ لا شيء جديد قد طرأ على هذا الملفّ منذ تصريح الرواشدة، قبل شهرين، والجانب اللبناني يترقّب تحرّكاً من الإدارة الأميركية، التي أعلنت أنها ستُعيد إحياء هذا الموضوع، والإيعاز للبنك الدولي إنعاش استيراد الكهرباء من الأردن.
وطريق الكهرباء الأردنية إلى لبنان تمرّ بسوريا، وهذه الأخيرة يحظر قانون قيصر التعامل معها، وبالتالي يخشى لبنان الوقوع تحت مطرقة العقوبات الأميركية، التي تحول دون التمويل من قِبَل البنك الدولي، وكذلك لا يمكن للدول العربية التحرّك بدون دعم، إلا إذا صدرت رسالة واضحة من الإدارة الأميركية تحمي البلاد المعنية من تلك العقوبات، في موازاة قبول البنك الدولي بتمويل المشروع.
فأين أصبح مشروع استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر؟ وهل الدولة قادرة على تسديد دينها للعراق؟
يرى المدير العام للاستثمار سابقاً في وزارة الطاقة غسان بيضون، أنّ “تجديد عقد لبنان مع العراق هو الباب الوحيد الايجابي في كلّ معمعة ملفّ الكهرباء في لبنان، فكميّة المحروقات زادت، وهذا ما سيساهم في تخفيف حدّة الأزمة دون أن يتمكن من تأمين الـ4 ساعات، ما يعني أن لا عتمة شاملة”.
والمشكلة وفق ما يقول بيضون لـ”هنا لبنان” تكمن في “كيفيّة دفع الدولة اللبنانيّة بدل المحروقات للعراق، خصوصا وأنّ لبنان مديون بـ460 مليون دولار للعراق ثمن شاحنات محروقات سابقة من العقد القديم لم يتم سداد ثمنها بعد، وكانت قد اشترطت مؤسسة كهرباء لبنان على الدولة دفع الديون للعراق مقابل المضي قدماً بخطّة الطوارئ”، التي وبحسب بيضون “أسقطت من قبل وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض، فعندما تبلّغ مجلس الإدارة في مؤسسة كهرباء لبنان بالخطّة ورفع التعرفة، اشترط للمضي قدماً بها ولتأمين توازن مالي دفع المستحقات المتبقيّة للعراق وتسديد الدولة للفواتير التي تترتّب على الإدارات العامة، وفي حال عدم تسديد الدولة لهذه الفواتير فعليها أن تدفع 10 سنت إضافيّة على التعرفة التي ستصبح 37 سنت بدل 27. كما طالبت المؤسسة بإشراك القضاء والأجهزة الأمنية في ضبط ومكافحة التعديات “.
ويشرح بيضون أنّ “الدولة لم تسدد فواتيرها، ولم تفتح اعتمادات في موازنة الـ2023 لهذا الغرض، أما المؤسسات فأبقت على الفواتير القديمة ولم يؤمّن لها اعتمادات مخصّصة لفواتير مؤسسة كهرباء لبنان، ولم تتحرك لا الأجهزة الأمنية ولا القضاء لضبط التعديات، في المقابل رفعت تعرفة الكهرباء بشكل جائر، بالإضافة إلى اشتراك العدادات، فيما لم تطبّق أيّ من شروط مؤسسة كهرباء لبنان، وتمّ إعطاء المؤسسة فقط سلسلة خزينة بقيمة ألف مليار ليرة لبنانيّة بالكاد تساوي 10 مليار دولار أيّ نصف باخرة فيول!”.
الدولة مديونة للعراق والدفع مستحيل
وشدّد بيضون على أنّ “أصل وأساس أزمة الكهرباء مالي، إذ لا وجود لمموّل وإذا وجد المموّل فالمؤسسة عاجزة عن استرجاع الأموال وردّها، لأنّ العدد الأكبر من الكهرباء لا يفوتر وهو غير شرعي، كما أنّ هناك قسماً كبيراً يهدر في مخيّمات اللاجئين والنازحين، فيما تحتاج المؤسسة لإيرادات كبيرة لتسديد ديونها، وهي لا تقتصر على الفيول فقط وما ينتظرها أخطر بكثير”، مشيراً إلى أنّه “وعلى الرغم من تسعير المؤسسة لفواتيرها وفق سعر صيرفة إلاّ أنّ المصرف المركزي لن يتمّكن من تأمين الدولارات لدعم الكهرباء لأنّ المؤسسة تأخّرت عن توريد الليرات للمصرف”.
واعتبر أنّ “الفضيحة ستظهر في حال طالب مقدمّو الخدمات، سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات أم دولاً كالعراق، المؤسسة بالأموال، يضاف إليهم متعهدو التشغيل والصيانة والموظفين، فلهؤلاء مستحقات ومتوجبات على المؤسسة”.
وشدّد بيضون على “استحالة دفع الدولة للعراق، فكلّ ما حصل هو تمثيليّة ومشهد مسرحي. فالمسرحيّة الأولى كانت بإعلان وزير الطاقة عن رغبته بتعيين هيئة ناظمة مطالباً بـ6 أعضاء فيما القانون ينصّ على 5 أعضاء، والمسرحيّة الثانية كانت برفع التعرفة فيما وقع تثبيت بدل العداد والرسوم على ذمّة الناس، حتى ولو لم يأخذوا كهرباء في المقابل. وذلك ليس سوى مظاهر كاذبة تضحك من خلالها الدولة على المجتمع الدولي، لإيهامه بأنّها بدأت بالاصلاحات”.
خوف من عقوبات قيصر
وعن مصير الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن أجاب “مسألة تأمين الغاز من مصر ظهرت بعد أن بدأت إيران ترسل مازوت إلى لبنان، فتدخّل الأميركي ووعد لبنان بتأمين غاز من مصر، إلاّ أنّ المازوت الإيراني لم يستمرّ والغاز المصري لم يؤمّن، لأنّ هذا الأخير يرتبط بقضية سياسية تتعلّق برفع العقوبات عن سوريا، في تعاملها مع لبنان، ولم يأتِ جواب بهذا لخصوص بعد”.
وعلى غرار الغاز المصري، تأتي مسألة استجرار الكهرباء من الأردن، وهنا يؤكد بيضون، أنّ “الأردن إلى جانب خوفها من العقوبات تريد ضمانات من البنك الدولي بأنّه سيسدّد لها بدل كلفة الطاقة”، معتبرا أنّ “كل المفاوضات التي عقدت منذ سنة الـ2020 وحتى الـ2022 تغيرت وما نعيشه اليوم ليس سوى “طبخة بحص”، وغشّ وخداع وشراء وقت وعجز، في الوقت الذي بدأ فيه المواطنون بالاستغناء عن مؤسسة كهرباء لبنان لصالح الطاقة الشمسيّة والمولّدات، حيث وصلت كميّة الطاقة من تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة بمبادرات فرديّة إلى 1000 ميغاوات أيّ ثلث حاجة لبنان”.