“رمي الرضع في الشوارع”.. ما الذي يجعل الأم تتخلّى عن جنينها بهذه القسوة؟
حالات التخلّي عن الاطفال لا ترتبط فقط بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وغير ذلك، بل تشكّل العوامل الأخرى مثل المشاكل النفسية والعقلية سبباً إضافياً أو مساعدًا للإقدام على هذه الأفعال
كتبت ريتا صالح لـ”هنا لبنان”:
كاد المجتمع اللبناني أن يتصالح، وفكرة العثور على رضع مرميين على الطرقات، وبالقرب من مكّب النفايات، كاد المجتمع أن يتعايش مع هذه الجريمة، التي يقوم بها عن سابق إصرار وتصميم آباء وأمهات.
الأسبوع الماضي، كان متخماً بهذه الأحداث المأساوية، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول حالة الوالدين الاجتماعية، أو ما إذا كان الرضيع مكتوم القيد، أو ربما أنجبته الأم رغماً عنها وهي لم ترغب أساساً في خوض تجربة الحمل والأمومة.
هذه الأسئلة رغم أنّها منطقية، غير أنّها لا تبرر إطلاقاً وحشية الجرم اللا-إنساني.
وللوقوف عن البعد النفسي لهذه الجرائم، يقول الأخصائي والمعالج النفسي وخبير برامج حماية الطفل إيلي نصّار لـ”هنا لبنان” إنّ “الأسباب التي تؤدي إلى تخلّي الأمّ عن طفلها ووضعه على الطريق قد تختلف بين حالة وأخرى، ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ بعض العوامل المشتركة ترشدنا إلى استنتاجات يمكن الاعتماد عليها لاستخراج المدلولات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها”.
وأوضح نصّار أنّ “الأسباب ترتبط أحياناً بكثرة الضغوطات الحياتية والاقتصادية والثقافية والدينية والنفسية، ممّا يزيد من تفاقمها، واللجوء إلى حلول سيئة”.
وأشار إلى أنّ “المشاكل الاقتصادية وإن كانت سببًا لا يُستهان به في ازدياد المشاكل الحياتية والعائلية، إلاّ أنّه لا يمكن الجزم بأنّها السبب الوحيد لما نشهده في الآونة الاخيرة من إزدياد في حالات التخلي عن الأطفال”، لافتاً إلى أنّ “ما نشهده ليس بجديد وشهدنا الكثير من الحالات في أعوام سابقة”.
ووفق نصّار فإنّ العامل النفسي وكثر الضغوطات، قد يؤديان إلى “فقدان السيطرة على اتخاذ القرارت السليمة ممّا يؤدي إلى نتائج سلبية وتصرّفات غير سويّة بالمفهوم العام. خاصّة وأنّ هذه الاضطرابات تدور في حلقة متشابكة، فتؤثّر بشكل تصاعدي على الحياة الاجتماعية”.
وأوضح أنّ “حالات التخلّي عن الاطفال لا ترتبط فقط بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وغير ذلك، بل تشكّل العوامل الأخرى مثل المشاكل النفسية والعقلية سبباً إضافياً أو مساعدًا للإقدام على هذه الأفعال”.
ودعا نصّار إلى “تعزيز دور مؤسسات الدولة الاجتماعية والتربوية، ودعم المجتمعات المدنية المحلية والدوليّة، للقيام بدور الحماية والوقاية والمتابعة وتقديم الدعم وتعزيز التوعية على الحقوق وحماية القوانين”.
أمّا عن التاثيرات النفسية على الطفل، فقال نصّار إنّه “علمياً، لا يمكن الجزم بماهية ومدى التأثيرات النفسية للطفل على المدى الطويل، لأنّ ذلك يرتبط أيضًا بنوعية العناية التي قد يحظى بها على مدى السنين، فكلّما كانت التربية المقدّمة له جيّدة ومتوازنة، كلّما كان الطفل أكثر تحصينًا وأقلّ تأثرًا بالحادثة. ومن هنا يلعب الدور الاقتصادي والاجتماعي دوراً كبيراً بخلق فرص تربوية ملائمة”.
وأوضح أنّه في “بلد مثل لبنان، تغيب عنه الخطط والاستراتيجيات الوطنية لبرامج الدعم النفسي، والحماية الاجتماعية، والدعم التربوي، والتي تبقى معظمها ضمن أطر ضيّقة، نرى غالباً أن المبادرات تكون من المجتمع المدني والمنظمات الانسانيّة. وانطلاقاً من هذا الواقع، يبقى احتمال التأثيرات النفسية على الطفل كبيرة، وقد تترك آثارًا جدية على الصحّة النفسية والتصرّفات الاجتماعية والتواصلية، من بينها العدائية والإنطوائية والاكتئابية، لاسيّما في عمر المراهقة وما يتبع ذلك من تأثيرات سلبية على المجتمع”.
وعن أهمية التوعية في هذا الموضوع، قال نصّار: “يبقى من المهم جداً تعزيز دور برامج التوعية، ورفع قدرات ومهارات المجتمع، لا سيّما لجهة الأهل والتربويين، وإرشادهم لكيفية التواصل السليم والمتوازن مع الأطفال والمراهقين، والتقرّب منهم، والتخلّي عن أسلوب الخوف واللوم”.
حالات التخلي عن الرضع والأطفال ليست بجديدة، غير أنّ معالجتها باتت ضرورية مع ازدياد الأعداد يوماً بعد يوم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير… لبنان كالصين: ولد واحد لكل عائلة! | القطاع التعليمي في لبنان عالق بين “الردّين” و”المفاوضات” | أحداث الجنوب تربك اللبنانيين.. إلغاء رحلات ورفع للأسعار! |