مهمة لودريان في مهب الريح بعد كلام رعد: لا رئيس بدون موافقتنا..!
ما دام الموقف لن يتغير.. فإنّ التلويح بالعقوبات على المعرقلين سيبقى حبراً على ورق، وعلى ما يبدو فإنّ لودريان حمل في جيبه ” الخرطوشة ” الرئاسية الأخيرة
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
في كلّ مرة يغادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، يرفع العشرة وينفض يده من جديد من هذه المعضلة، التي يصعب حلّها في ظلّ وجود أضداد يتناحرون على أيّ ملف، غير أنّه وبدافع المهمة الموكلة إليه، يحاول أن يكون صاحب النفس الطويل في السياسة والديبلوماسية.
ومع أنّ لودريان كان قد شغل منصب وزير خارجية فرنسا، لكنّه مع المسؤولين اللبنانيين الذين يضربون بعرض الحائط كل أنواع التفاهم وتوابعه، يسقط كل شيء وتجهض والمحاولات، فتبدو المهمة مستحيلة لأنّ الخلافات في الداخل اللبناني لا تنتهي، والموفد الفرنسي قالها مراراً : “لم أرَ في حياتي مسؤولين لا تهمهم مصالح بلدهم”، وعندها وجّه لهم اللوم والتحذير من دون أن يرفّ لهم جفن، مؤكداً على مقولة باتت درساً حفظها المسؤولون الدوليون، ولم يحفظها المسؤولون اللبنانيون :” توحّدوا على خيار الرئيس وأنقذوا بلدكم قبل فوات الآوان”، لكن لا حياة لمن تنادي.
إلى ذلك لعب الموفد الفرنسي خلال زيارته الأخيرة، على وتر الكلمات واختارها بإمعان، إذ وضع النقاط على الحروف، وقال للمتناحرين: “لنبحث ببند واحد وهو صفات الرئيس”، الأمر الذي قوبل نوعاً ما بتجاوب، فالبعض حاول إظهار نفسه متعاوناً، على الرغم من أنّ صفات الرئيس التي ستبحث في شهر أيلول، لن تكون جامعة بل مختلفة ما بين مفاهيم سياسية عدّة، من بينها الرئيس السيادي والرئيس الوفي والحيادي والتوافقي والذي “لا يطعن ظهر المقاومة”، وإلى ما هنالك من صفات يصعب وجودها في مرشحّ واحد، إلّا إذا حاول إظهار نفسه أنّه “جامع للمجد من أطرافه”، وهذا المرشّح يصعب إيجاده وتصديقه، إذ من غير الممكن أن يكون معارضاً وموالياً وممانعاً، كي يحظى بأغلبية أصوات النواب.
هذا المشهد برز في مقر “كتلة الوفاء للمقاومة” في حارة حريك، حين زار الموفد الفرنسي رئيس الكتلة محمد رعد، بحضور مسؤول العلاقات الدولية والعربية في حزب الله عمار الموسوي، فسمع لودريان كلاماً مغايراً “خربط” مهمته الشاقة أكثر، وعلى الرغم مما نقل وكما تجري العادة بأنّ اللقاء كان إيجابياً، إلا أنّ الكواليس والخبايا الرئاسية تكشف وفق معلومات “هنا لبنان” أنّ اللقاء كان في ظاهره ديبلوماسياً إلّا أنّ واقعه لم يكن كذلك، إذ حمل في طيّاته رسائل إلى الداخل والخارج، مفادها أنّ التمسّك بدعم ترشيح رئيس تيار ” المردة” سليمان فرنجية ما زال قائماً، وهذا ما تبلّغه لودريان من رعد، مع إشارته إلى أنّ لا رئيس في لبنان من دون موافقتهم ورضاهم كحزب ونقطة على السطر، مع الانفتاح على الحوار، أي “دعسة على الحافر ودعسة على المسمار”، فأتى الردّ الفرنسي بضرورة تأمين الأصوات المسيحية المطلوبة، لإنتخاب فرنجية ونيل الغطاء المسيحي الوازن، لأنّ الفريق المعارض سبق وأن أعلن بأنّ التخلّي عن مرشحه، يعني في المقابل التخلّي عن مرشح الفريق الممانع، أي لا جهاد أزعور ولا سليمان فرنجية، لكن رعد والموسوي رفضا هذه المعادلة، مما يعني سقوط ما طالب به الموفد الفرنسي، أي لقاء تشاوري بين المنقسمين وليس طاولة حوار، لأنّها تشكل “نقزة” سياسية بالنسبة للبعض.
وما ساهم في زيادة الطين بلّة، هو السيناريو المسرحي الذي وضعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، للموافقة على دعم فرنجية رئاسياً، مختصراً إياه ببضع كلمات: “أعطونا لامركزية إدارية وصندوقاً ائتمانياً وإصلاحات، وخذوا منّا تضحية لست سنوات”، الأمر الذي ذكّرنا بمقولة انتشرت في الثمانينات: “أعطونا السلام وخذوا منا ما يدهش العالم”، وعن أيّ إندهاش يتحدثون حين يكون باسيل يعرف سلفاً صعوبة تحقيق مطالبه، لأنّها تحتاج إلى شبه إجماع، مما يعني أنّه افتتح مسرحية أُسدل الستار عنها يوم الافتتاح، والنتيجة معروفة “فبركات” لا تنطلي على أحد.
باختصار أكثر من خرّب مهمة لودريان هو الثنائي الشيعي، خصوصاً الحزب الأصفر الذي لا يطمح بوصول رئيس إلى بعبدا، ولذا يضع العصيّ في الدواليب وما أكثرها، والنتيجة: اللقاء التشاوري الذي يطمح إليه لودريان لن يتحقق، أي : “طرف أيلول لن يكون بالرئاسة مبلول”.
أخيراً، على ما يبدو فإنّ الموقف لن يتغير.. وبالتالي التلويح بالعقوبات على المعرقلين سيبقى حبراً على ورق، أما لودريان فكما تقول المعطيات، هو في هذه الزيارة قد حمل في جيبه “الخرطوشة” الرئاسية الأخيرة.
