القرار الوطنيّ الحُرّ و “وحدةُ السَّاحات”!
هذا المسار كان يتطلّع مُنْذُ ذاك الوَقْت إلى “وحْدَة السّاحات”. القضيّة الفلسطينيّة والقضيّة اللّبنانيّة تُشكِّلان لهُ وقودًا ليس إلّا. مَسَاحة جُغرافيّة ليس إلّا. ساحَة تصفيَة حسابات ليس إلّا.
كتب زياد الصَّائِغ لـ”هنا لبنان”:
“السَّاحات” تعبيرٌ مُلْتَبِس مُشوّه ثمّة من سعى من خِلاله إلى استِباحة سياداتِ الدّول، وتفتيت الهُويّات الوطنيّة، وضَرْب القرار الوطنيّ الحُرّ، وتكريس مَنْطِق أيديولوجيّة جمع التّناقُضات في حِلْفٍ موضوعيّ يربُط أجُنداتٍ سياسيّة بأبعاد ميتافيزيقيّة.
في أيّار 2007 كانت محاولةٌ أُولى في “وحدةِ السَّاحات” بين “خِلافَةٍ مفبركة، و “ولايةٍ” تتصاعد، من مخيّم نهر البارد. في مواجَهَة هذه المحاولة التي أرَادت الانقضاض على القضيّة الفلسطينيّة والقضيّة اللّبنانيّة على حدٍّ سواء، كان قرارٌ حاسمٌ من الشرعيّة اللّبنانيّة والشرعيّة الفلسطينيّة بإنهاءٍ هذا الانقِضاض في مَهْدِه. تولّى المهمّة الجيشُ اللّبنانيّ، مع عمليّاتٍ موضِعيّة لِقوى الأمن الدّاخليّ حينها، تجاوز كُلّ الخطوط الحمر التي رَسَمها ذوو شأن يعتقِدون أنّهم مكلّفون بمهمَّاتٍ من فَوْق.
في هذا السّياق، وقبلها في العام 2006، تمَّ حَسْم النّقاش في موجِب إنهاء حالة السّلاح الفلسطيني خارج المخيّمات مع الاعتِراف بإمرتِه الإقليميّة، على أن يتمّ تنظيم السّلاح الفلسطيني داخل المخيّمات تمهيدًا لتسليمه للدَّولة اللّبنانيّة. السُّلطَة الفلسطينيّة مُنْذُها، وقبل تحوّلها دَوْلَة غير عضو بصفة مراقب في الأمم المتّحدة (29/11/2012)، أعْلَنَت جهارًا أنّها معنيّة بتسليم سلاحِها إلى الدّولة اللّبنانيّة دون إبطاء، وأنّها مع احتِرام السّيادة اللّبنانيّة ومع تأكيد حقّ العَوْدَة. مُنْذُ ذلِك الحين تولّى، هؤلاء، المكلّفون بمهمَّاتٍ من فَوْق إطلاق مسار قَضْمِ القرار الفلسطينيّ الوطنيّ التّاريخيّ، والذي تصدّى له حينَها قرارٌ لبنانيٌّ سياديّ بترميم العلاقات اللّبنانيّة – الفلسطينيّة على قاعدة معادلة “الكرامَة للّاجئين تحت سيادة الدّولة حتّى العَوْدة”. مارس هؤلاء أبشَع أنواع التّنكيل بالقرارين الوطنيّين الفلسطيني واللّبناني الحرّين. هذا المسار كان يتطلّع مُنْذُ ذاك الوَقْت إلى “وحْدَة السّاحات”. القضيّة الفلسطينيّة والقضيّة اللّبنانيّة تُشكِّلان لهُ وقودًا ليس إلّا. مَسَاحة جُغرافيّة ليس إلّا. ساحَة تصفيَة حسابات ليس إلّا.
ليس ما سَبَق مجرَّد سَردٍ تاريخيّ، بل غَوْصٌ في معضلَة ضرب الحريّة والنّضال الوطنيّ، من خِلال استِدعاء كُلّ أشكالِ التطرّف وتغذيَتِه. التطرّف يَقتُل نقاوَة الفِكر، ويُعمّم فلسفة الإقصاء، مع تلذّذٍ باستِعراضِ قُوَّة وهميَّة. التّاريخ يُمهِل ولا يُهْمِل، والعدالة لقضايا الحقّ في مشروعِ دَوْلَة الدُّستور والسّيادة لا خَوْفَ عليها، أمَّا تِلك الأيديولوجيّات المُغْلَقَة فإنّ نهايتها حتميّة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أرتساخ قرة باغ بعد أوكرانيا…. أوهام الأيديولوجيَّات! | الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة | من كوبنهاغن إلى بيروت… فاعليّة الدّيموقراطيَّة وبارانويا المعادلات! |