“صناديق الاستثمار” لاجتياز المحنة
كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:
دوران العجلة الاقتصادية الذي أظهرته مؤخراً بعض البيانات والملاحظات التجريبية، لا يعني بالضرورة أنّنا على طريق الإزدهار. فقد سبق للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي، اللذان يلعبان دور البوم الحكيم، أن حذرا من أنّ “مؤشرات الانتعاش الاقتصادي هذه مضللة ولا ترسي أساسًا قويًا للمستقبل”. والحقيقة أنهما ليسا على خطأ، إذ لم تسجّل أيّ مبادرات تتعلّق بالفجوة النقدية أو بالإصلاحات والديون. كما أنّ البلاد ما زالت تفتقر لمكوّنين أساسيين للحياة الاقتصادية: الدولة والقطاع المصرفي. ولا يمكن لأيّ بلد أن يصمد طويلاً بدونهما.
وعلى أي حال، فالدولة لطالما بدت افتراضية إلى حدٍّ ما في لبنان، فهي بالكاد تواجدت قبل أن تبدأ بالتدهور التدريجي. وكانت في كل مرة تصل فيها إلى الحضيض، تنجح بطريقة ما بتخطي نفسها والغرق أكثر في الفوضى. إبداع لا مثيل له!
أما في ما يتعلق بالقطاع المصرفي، الذي نأسف لما آل إليه وضعه لأن هذا القطاع كان مفيدًا للغاية لعقود. إذاً، ما الذي يمكن فعله بانتظار عودة القطاع المصرفي للمسرح الاقتصادي؟
لا بدّ من توفر عاملين حاسمين ومترابطين: مصادر الائتمان والاستثمار. بالنسبة للأولى، تغيب الحلول حالياً، ما خلا لأولئك الذين يثقلون كاهلكم بالقرض الحسن، وربما يحصلون على تنظير قولون مجاني في الرسول الأعظم ..
بالتالي، بغياب مصادر الائتمان، تبقى الاستفادة من الموارد الخاصة هي الطريقة الأنجع للاستثمار. وهذا ما قام به كثر، لكن العملية لا تخلو من المخاطر، والبعض لا يمتلك أصلاً الموارد الكافية. وفي الوقت نفسه، هناك أكثر من 200 ألف حساب بالدولار “الفريش”، تعادل ملياري دولار، خاملة في البنوك أي لا تنتج أي مكاسب على الإطلاق. هذا دون أن ننسى المليارات المحفوظة داخل الخزنات المنزلية، والتي تظهر بين الفينة والفينة بأكوام صغيرة تشوبها بعض علامات العفن. فكيف يمكن مطابقة هاتين الفئتين لمنفعة كليهما؟
في أي بلد عادي، توفر سوق الأوراق المالية فرصة لتمويل الأعمال، وتسمح للناس العاديين بتنمية مواردهم. ومع ذلك، سوق الأسهم لدينا في غيبوبة منذ فترة طويلة، لأسباب يطول شرحها. لذلك، فلننتقل إلى نافذة أمل صغيرة أخرى، “صناديق الاستثمار”. فما هي بالتحديد؟
لنأخذ مثلاً مجموعة من الممولين أو المدراء، الحائزين على درجة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة “هارفارد”. فإذا قرر هؤلاء الاستثمار في مجال معين ولكن مواردهم المالية محدودة، تأخذ المجموعة مبادرة إنشاء “صندوق استثمار”، يمكن لأي شخص المساهمة فيه من خلال وضع ألف أو 10 آلاف دولار.. ربما أكثر وربما أقل، حسب المشروع. عندها سيستثمر الصندوق، الذي سيدار بأكبر قدر من الاحتراف من قبل لجنة ذات مصداقية، في مشاريع في لبنان ويكسب المال ويمنحك نصيبك من الأرباح.
هذا هو المبدأ العام وقد تختلف المشاريع في التفاصيل والفروق الدقيقة بشكل لا متناه: فيمكن مثلاً إنشاء صناديق عقارية متخصصة في شراء الأراضي وتطوير المنازل والمتاجر وتأجيرها وإعادة بيعها. وهناك صناديق السياحة التي تدير الفنادق وتفتح المطاعم وتستثمر أسطح المباني ودور الضيافة وتستحوذ على مدن الملاهي، وما إلى ذلك. وهناك الصناديق الصناعية أيضاً، الآن وقد بدأت الصناعة المحلية تستبدل بعض الواردات وتكتسب ميزة الصادرات التنافسية، وغيرها..
كما بالإمكان تنويع الاستثمارات عن طريق المساهمة البسيطة في صناديق متعددة، يمكن حتى تخيل صندوق متعدد البلدان، يستثمر 50٪ في لبنان و 20٪ في قبرص و 30٪ في فرنسا. هذا في حال كنت من المتضررين بشكل مؤلم من انفجار الرابع من آب.
بالإضافة إلى أنّ صندوق الإستثمار قد يكون دائماً أو يقتصر إنشاؤه على مشروع واحد؛ كبناء مركز تسوق على سبيل المثال. وحتى ولو كانت صناديق الاستثمار هذه دائمة، سنجد دائمًا مخرجاً محتملاً لأولئك الذين يحتاجون لاسترداد نقودهم. وفي ذلك الوقت، تزداد قيمة الحصة تدريجياً أيضاً.
تعدّ هذه الفكرة كلاسيكية في بلدان أخرى. وحتى اليوم، سجلت مشاريع مماثلة لكنها اقتصرت على الأثرياء. وعلى ما يبدو، التشريع موجود بالفعل، لكن لا بد من نفض الغبار عنه.
إذاً، جلّ ما ينقصنا اليوم هو تلك الشرارة المحفزة. وقد يخيل لأحدهم أن الفكرة قد تخطر ببال نواب الحاكم في باكورة ولايتهم، لكنهم منشغلون باختيار اللون الأنسب لربطة عنقهم!