تشريع إقراض الحكومة تهديد لودائع الناس.. فما الحلّ؟
عدم الإقراض سيفاقم من الأزمة والإقراض دون حلول جذريّة سيأخذنا إلى المهوار
كتبت باولا عطية لـ”هنا لبنان”:
فور استلامه منصب حاكميّة مصرف لبنان، لحين تعيين حاكم أصيل ، وضع النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وسيم منصوري، خطّته النقديّة أو إذا صحّ التعبير شروطه التي تبعاً لها سيقبل بإدارة الأزمة الاقتصادية، وأبرز ما جاء فيها هو طلب المصرف المركزي من مجلس النوّاب تشريعاً مشروعاً يحدّد وجهة استعمال الاحتياطيات الإلزامية بالدولار، وذلك عبر السماح له بالإنفاق من الإحتياط الإلزامي.
واشترط منصوري أن يخصّص القانون الذي سيجيز الاقتراض من مصرف لبنان لتمويل الاحتياجات الملّحة، مثل دفع رواتب القطاع العام، وتأمين الدواء.
وأن يكون لوقت محدّد، وأن يكون استرداده وفق آليات فعلية وواضحة وليس وفق كلام إنشائي أو نظري، وأن تكون الحكومة الجهة الصالحة لتحديد حجم الأموال التي ستقترضها، أي أنّ مصرف لبنان لن يملي على الحكومة حاجتها.
واقترح أن يكون الصرف خلال الفترة الانتقالية القصيرة بتعاون قانوني متكامل بين مجلس النواب والحكومة والمصرف المركزي يكفل إعادة الأموال، مشدداً على عدم جواز المسّ بالتوظيفات الإلزاميّة بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان تحت أيّ مسمى أو ذريعة وهي البقيّة القليلة الباقية من أموال المودعين، والتي بلغ حجمها لدى استلام منصوري 20 مليار دولار.
وأكّد على أنّ “الحلّ الحقيقي يكمن في إصلاح المالية العامة، فالمسألة ليست نقديّة والحلّ ليس في البنك المركزي إنّما في السياسة المالية للحكومة، برأيه”.
وأكّد منصوري بأنّه “لن يتمّ صرف أيّ تمويل للحكومة على الإطلاق خارج قناعاته وبدون الأطر القانونية”. لكنه استدرك لاحقاً وقال إنّه سيتسامح هو وزملاؤه بتسليف الدولة جرياً على النهج السابق، لفترة انتقالية قصيرة وأخيرة وبموجب قانون يصدر عن المجلس النيابي إضافة إلى إقرار رزمة القوانين الإصلاحية المطلوبة وهي: قانون الكابيتال كونترول، قانون إعادة هيكلة المصارف، قانون إعادة التوازن المالي، إضافة إلى قانوني الموازنة لعامي 2023 و 2024 اللذين يجب إصدارهما ضمن المهلة الدستورية.
شورى الدولة يرفض المشروع
من جهته، رفض مجلس شورى الدولة طلب الحكومة إمكانية الاستقراض من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وكذلك رأى عدد من النوّاب أن لا ضرورة لإقرار قانون في مجلس النواب يشرّع الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي، إذ أنّ قرار تحديد مستوى الاحتياطيات يعود للمجلس المركزي الذي سبق أن خفّضه ليحرّر بعضاً من الدولارات للاستعمال.
فيما الحكومة وحتى الآن لا تبدي استعداداً لتحمّل مسؤوليّة السماح للمصرف المركزي باستعمال الاحتياطيات التي تُصنّف بأنها أموال للمودعين، أو تحديداً ما تبقّى من الودائع. وبالمثل، يحاول نواب الحاكم ألا ينفقوا أيّ فلس، إلا بغطاء سياسي وتبرير واضح.
بين السيئ والأسوأ
في هذا السياق أوضح الخبير الإقتصادي خلدون عبد الصمد لـ”هنا لبنان” أنّ “الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان متدنٍّ جداً، وهناك خوف كبير من المسّ بودائع الناس، الموجودة في المصرف المركزي”.
وشرح أنّه “لكي يتمكّن الفرد من المسّ بالودائع، فذلك يحتاج إلى قرار من السلطات التشريعيّة أيّ مجلس النواب، وهناك حلّان: الأوّل، يكمن في أن يتقدّم بعض النوّاب باقتراح قانون على أن تتمّ الموافقة عليه في مجلس النوّاب، إلّا أنّ النوّاب يخشون المضي في هذه الخطوة، لعدم تحميلهم المسؤوليّة، والثاني، أن تتقدّم الحكومة بطلب إلى مجلس النوّاب، والذي تشوبه علامات استفهام، لكون حاكم المصرف المركزي يرغب بأن يقترن الطلب بالوجهة التي ستحوّل الأموال إليها، وبالإصلاحات التي ستنفذ وفق قرارات المجتمع الدولي”.
ويرى عبد الصمد أنّ “هذه الخطوة يجب أن تحصل، لأنّه وفي حال عدم حصولها سيكون هناك شلل كامل في جميع مؤسسات الدولة، وصولاً إلى أزمة مستفحلة. أمّا سيئات هذه الخطوة فهي أنّها ستشرّع مدّ اليد على أموال المودعين، حيث ستختفي الاحتياطات من المصرف المركزي، وإن أفلس أيّ مصرف في لبنان فلن يكون هناك أموال في المركزي لتغطية الخسائر. ونحن بذلك نكون قد لامسنا الخطّ الأحمر. ما يهدّد مصير الذهب اللبناني”، مشدداً على أنّ “الوضع خطر جدًّا، فعدم الإقراض سيفاقم من الأزمة والإقراض دون حلول جذريّة سيأخذنا إلى المهوار”.
لا مبرّر للمسّ بالاحتياطي
بدوره لفت الخبير الإقتصادي أنطوان فرح لـ “هنا لبنان” أنّه “لا يجب أن يكون هناك أيّ تبرير لمدّ اليد على أموال المودعين الموجودة في مصرف لبنان تحت مسمّى الاحتياطي الإلزامي. ومن المستغرب أن تبحث الدولة عن ذريعة تسمح لها بمدّ اليد عليها، بحجّة أنها لا تستطيع الإنفاق”.
وتابع: “أموال الناس غير مباحة لتكون ملجأً يسمح للدولة بخلق توازن بين الإنفاق والإيرادات، والمطلوب تطبيق الإصلاحات والإجراءات اللازمة لتصبح إيرادات الدولة كافية، خصوصاً وأنها لا تدفع فوائد اليوم على سندات اليوروبند كما في السابق وبالتالي أمامها فرصة لتحسين الجباية وتوسيع مروحة الضرائب، وتخفيف التهرّب الضريبي لحماية نفسها”.
واعتبر أنّ “ما يطلبه نوّاب الحاكم، ليس الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي، ولكن في المقابل هناك حديث عن فترة 6 أشهر لإقراض الدولة استثنائياً بشرط تطبيق الإصلاحات، على أن تقدّم الدولة خطّة عمليّة مقنعة تشرح فيها كيف ستردّ الأموال التي صرفت في هذه الأشهر الستة وإذا لم يقتنع منصوري والنواب بهذه الخطّة فلن يوافقوا على الإقراض”.