جرائم بسمنة.. وجرائم بزيت
لماذا لا توجد “قصاصة ورق” في ملف اغتيال هاشم السلمان؟ هل ممنوع على التحقيق أن يصل إلى نتيجة في هذه القضية؟ تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى مقتل المصوِّر جو بجاني؟ لماذا لا توجد “قصاصة ورق” في ملف التحقيق في مقتله؟ لماذا أعطيت عائلته (زوجته وطفلتاه) اللجوء في فرنسا؟ بعدما صدرت تأشيرة دخولهم إلى فرنسا على عجل؟ هل كان الفرنسيون يعرفون شيئًاً لا تعرفه الأجهزة الأمنية اللبنانية؟
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
يُنقَل عن الوزير الراحل إيلي حبيقة قوله: “أنا أعرف مَن أطلق كلّ رصاصة في حرب لبنان”، كان إيلي حبيقة رئيس جهاز الأمن والاستخبارات في القوات اللبنانية، وما قاله ليس فيه مغالاة، فهو كان يملك “عقلًا أمنيًا” وكان على رأس جهاز محترف.
في نهاية المطاف، لم يكن “جهاز الأمن” الذي كان على رأسه إيلي حبيقة، جهازًا رسميًا، ومع ذلك كان فعّالًا، تمامًا كما هو “جهاز الأمن” التابع لحزب الله اليوم.
إذا كان الأمر هكذا بالنسبة لغير الشرعيين، فكيف يكون عليه الأمر لدى الأجهزة الأمنية الشرعية التي لها باعٌ طويل في مجال الاستخبارات؟ من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى الأمن العام إلى أمن الدولة. هذه الأجهزة الأربعة يصعب أن تمرّ جريمة إلّا ويكون أحدها قد توصّل إلى كشف خيوطها، وأحيانًا ينجح أكثر من جهاز في كشفها.
هذه الإنجازات الباهرة تجعل الحديث عن “جرائم غامضة”، لم يتوصّل أيٌّ من الأجهزة إلى كشف خيوطها، حديثًا في غير محلّه، فكيف تكون الأجهزة ناجحة جدًا ومحترفة جدًا في كشف جرائم معينة؟ وكيف تكون عاجزة في كشف جرائم أخرى لديها المواصفات ذاتها للجرائم المكتشفة؟
لماذا لا توجد “قصاصة ورق” في ملف اغتيال هاشم السلمان؟ هل ممنوع على التحقيق أن يصل إلى نتيجة في هذه القضية؟ تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى مقتل المصوِّر جو بجاني؟ لماذا لا توجد “قصاصة ورق” في ملف التحقيق في مقتله؟ لماذا أعطيت عائلته (زوجته وطفلتاه) اللجوء في فرنسا؟ بعدما صدرت تأشيرة دخولهم إلى فرنسا على عجل؟ هل كان الفرنسيون يعرفون شيئًاً لا تعرفه الأجهزة الأمنية اللبنانية؟
لماذا لا توجد “قصاصة ورق” في ملف التحقيق في اغتيال لقمان سليم؟ هل يُعقَل أن يعرف جهاز الأمن الالماني (باعتبار زوجته ألمانية) أكثر ممّا تعرف الأجهزة الأمنية اللبنانية؟
قد تكون الأجهزة الأمنية اللبنانية مظلومة إذا قيل عنها إنّها لا تعرف، فهي بالتأكيد تعرف، لكنها “تعرف” أيضًا أنّه ممنوع عليها أن تكشف ماذا تعرف!
نحن هنا أمام “جرائم بزيت” حيث الضحايا يُغتالون مرتين: مرةً بفعل الاغتيال في حدّ ذاته، ومرةً بفعل طمس معالم الجريمة حيث ممنوع الكشف عن أيّ معلومة موجودة في ملف التحقيق.
في المقابل، هناك ” جرائم بسمنة” حيث لا تهدأ الأجهزة الأمنية إلّا بعد كشف الفاعلين، وفي اليوميات اللبنانية الكثير من الشواهد والأمثلة التي تثبت أنّ الأجهزة حين تقرر “بيطلع بإيدها”، وحين يكون ممنوع عليها التحقيق فإنها تنكفئ مكرهة، تمامًا كما حدث في حالات هاشم السلمان ولقمان سليم وغيرهما كثيرين.
حتى في عزّ الحرب اللبنانية التي امتدت لخمسة عشر عامًا، بقيت الأجهزة الأمنية الرسمية فعّالة على رغم الانشقاقات والانقسامات والتشرذم الذي اعتراها، كثيرة هي الجرائم التي اكتشفت والاغتيالات التي عُرِف مَن قام بها، حين اغتالت إسرائيل رئيس جهاز الأمن الفلسطيني أبو حسن سلامة في بيروت، وُجدت في جيب سترته ورقة مكتوب فيها عدّة كلمات تحذّره من أنّ هناك معلومات تتحدث عن أنّه سيتعرض للاغتيال، لكنّه لم يأخذ بها، وكان ما كان، ويقال إنّ أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية هو الذي أوصل هذه المعلومة إلى سلامة.
بعد انتهاء الحرب، صار الوضع أكثر صعوبة إذ لا يُكتفى بطمس معالم الجرائم بل يُصار إلى فبركة سيناريوهات لتضليل التحقيق أو لتشويه سمعة الضحية، ألم يحصل مثل هذا السيناريو بعد اغتيال الشهيد سمير قصير؟ وبعد اغتيال الناشط في القوات اللبنانية رمزي عيراني؟ حيث لفِّقت في حقّه اتهامات بعيدة كل البعد عن الناحية السياسية، لتُعطى أبعادًا شخصية بغية تشويه سمعته.
بين الإصرار على كشف جريمة معينة، وإهمال ولامبالاة في متابعة جريمة أخرى، يرتاب اللبنانيون في بعض نتائج التحقيقات في جرائم معينة، وفي غياب التحقيقات كليًا عن جرائم أخرى، ويخشون القول: بعض التحقيقات في لبنان “غبّ الطلب”، فكيف نثق بها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |