هل سيخرج لبنان من مظلّة الممانعة؟
إنّ الدول العربية ترفض أيّ دور لأيّ نفوذ غير عربي في المنطقة، وهذا تجلّى في رفض مشاركة إيران في خماسية باريس لحلّ أزمة لبنان.
كتب فيليب أبي عقل لـ”هنا لبنان”:
هل ستدفع الحرائق السياسية والخروقات الأمنية المتنقلة والتصعيد وارتفاع منسوب التجييش الطائفي لشدّ العصب، نحو حل للأزمة، فيتم انتخاب الرئيس، سيّما وأنّ الإستقرار الأمني الذي يتمسك به الجميع بدأ يهتز مهدداً بانهيار الهدنة الهشّة أمنياً وسياسياً واقتصاديا وشعبيًا؟
هذا الواقع المرتبك لبنانياً فرضته ظروف المنطقة وخريطتها السياسية، وتبّدل السيناريوهات، فبعدما كانت الأمور متجهة باتجاه التنفيذ وسط أجواء إيجابية، عادت وانقلبت إلى مواجهات سياسية وأجواء من التصعيد والتوتّر والسلبية في التعاطي.
فهل تستعجل هذه المشهدية المستجدّة التسوية، فينجز الاستحقاق خلال هذا العام، أم أنّ انتخاب رئيس ينتظر الاتفاق على خارطة طريق المنطقة؟ تسأل أوساط معارضة عبر “هنا لبنان”.
تعزو أوساط سياسية عربية تبدل المشهد في المنطقة إلى عدم الاتفاق على دور ونفوذ إيران وتحديدهما في المنطقة، وذلك بعدما تبيّن أنّ الدول العربية ترفض أيّ دور لأيّ نفوذ غير عربي في المنطقة، وهذا تجلّى في رفض مشاركة إيران في خماسية باريس لحلّ أزمة لبنان، وقررت الدول العربية أن تتولى هي معالجة شؤونها وحلّ أزماتها وتفعيل دورها، وهذا ما يدفع إلى تنامي أدوار بعض الدول ومنها السعودية كلاعب إقليمي دولي من خلال المؤتمرات وآخرها المؤتمر الدولي للسلام المتعلّق بإنهاء الحرب في أوكرانيا.
هذه التطوّرات أدّت إلى تعثّر المفاوضات النووية، الأمر الذي سرّع العودة الأميركية إلى المنطقة عبر الذراع العسكرية، إذ تمّ إقفال الحدود السورية العراقية ووقف التدخل الإيراني في لبنان من خلال معبر التنف السوري ومنع إيصال الأسلحة، يضاف إلى ما سبق وصول الأسطول الخامس وسفن الإنزال التي تحمل طائرت هليكوبتر هجومية إلى المنطقة، وذلك كلّه يهدف، وفق أحد المراقبين، إلى ضبط الإيقاع في المنطقة على التوقيت الأميركي الدولي.
إذاً، لقد بدأت مرحلة رسم المسار السياسي أو الحدود السياسية لنفوذ الدول في المنطقة واستعجال إتمام اتفاقات أبراهام بين العرب وإسرائيل لتعزيز مناخ الاستقرار في”المنطقة النفطية الغازية” الممتدّة من مصر إلى اليونان، والحفاظ على الأمن والهدوء فيها، وتأمين النفظ والغاز من هذه الدول إلى أوروبا، الساعية للاستغناء نهائياً عن النفط الروسي، وهذا هو السبب الأساسي للحضور العسكري الأميركي في البحر الأبيض وخليج العرب والمضائق، إذ تسعى أميركا لضمان سلامة الملاحة البحرية.
وسط هذه التطورات والتقلبات، وبعد “سقوط اتفاق بكين” وانتعاش اتفاقات أبراهام، تحوّل لبنان إلى ساحة يتجاذبها مشروعان: مشروع الممانعة ومشروع التسوية الكبرى وإنهاء الصراعات بدءاً من القضية الفلسطينية عبر حلّ الدوليتن، وهذا ما يفسّر – تبعاً لما يقول مصدر مطّلع – استعجال المصالحة الفلسطينية لبدء المفاوضات في أيلول على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وهنا ترى مصادر معارضة أنّ إيران أرادت من أحداث مخيم عين الحلوة أن تؤكد للخارج أنّ الورقة الفلسطينية أساسية في أجندتها، وأنّ لبنان هو إحدى ساحات محورها، وفي هذا السياق أتت الزيارة التي قام بها مسؤول إيراني مؤخراً، واللقاء الذي جمعه إلى الرئيس نبيه بري وحزب الله.
أما في ما يتعلّق بدول خماسية باريس، فهي تريد أن يكون لبنان خارج ساحات التجاذب وأن يحيّد نفسه عن صراع المحاور، من خلال الالتزام بإعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس. لذلك يكثر في هذه الأيام الحديث عن ضبط الحدود الجنوبية وتحديدها والبدء بالترسيم وتحديد الحدود الشرقية، وذلك كي يعود لبنان ويلعب دوره المميز والمعروف كنموذج للتعايش بين مختلف الحضارات وألاديان، وكمساحة حوار ورسالة كما كان قد أسماه البابا يوحنا بولس الثاني.
هل سيخرج لبنان من مظلّة محور الممانعة؟
إنّ ما يجري في لبنان من توتر ومواقف إنفعالية يعكس هذا الأمر. فالحزب يردّ على كل المواقف بإعلان تمسكّه بترشيح سليمان فرنجيّة لكونه المرشح الذي لا يطعن المقاومة في الظهر، وفق ما يقول نواب الحزب.
لذا يتوجّس الحزب من وصول أيّ رئيس لا يؤمن الغطاء لخياره السياسي.
وتتوقع أوساط مطلعة أن “تشهد الساحة في الفترة المقبلة وبعد قرار مجلس الأمن المرتبط بالتجديد لليونيفيل تطورات مهمة، قد تدفع لبنان في اتجاه مسار جديد”. وكذلك تتحدّث أوساط سياسية غربية عن “مواكبة دبلوماسية إقليمية ودولية للمسار الجديد الذي سيخرج لبنان من أزمته.
إلى ذلك ستترك التطورات الأخيرة لا سيّما الأمنية منها انعكاسات على مهمّة المبعوث الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان، وخصوصاً بعد القرار الدولي المرتقب نهاية آب.
فهل ستسهل مهمته ويكون هذا القرار حافزاً لمسار انتخاب رئيس؟ أم ستتعثّر الأمور مجدداً استناداً إلى طبيعة المرحلة وتعقيداتها؟
إنّ قرار إنجاز التسوية وإنهاء الصراعات في المنطقة قد اتخذ وبدأ تنفيذه ولكن لا يمكن لأيّ جهة محلية كانت أم خارجية أن تتحكم بالوقت والمهلة، والجميع ينتظرون ما ستسفر عنه المساعي الخارجية خصوصاً الأميركية – الإيرانية، بما في ذلك الإفراج عن خمسة سجناء أميركيين وتحرير بضعة مليارات لإيران على الرغم من توقف المفاوضات النووية؟
وهنالك مساعٍ استؤنفت من الدوحة باجتماعات منفصلة، فهل سيسهم هذا الأمر في استئناف النووي وفتح كوّة جديدة في الجدار يمكن الولوج من خلالها إلى صيغة اتفاق يحدّد الخيارات والمسار والنفوذ ويدفع المنطقة نحو الاستقرار؟ أم دون ذلك عقبات، وبالتالي فإنّ هذا الأمر قد يحصل على صفيح ساخن، وعبر عمليات أمنية وعسكرية محدودة.
إنّ المنطقة على فوهة بركان، ولبنان يغلي، والسباق هو بين الحل الدبلوماسي أو العسكري؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الغرب” يريد فصل لبنان عن غزّة | بلينكن يخفق في إقناع إسرائيل بالحل.. وهوكشتاين يستطلع أفق المرحلة لبنانياً | باسيل يعد خطّة “انقلابية” تقطع طريق انتخاب عون |