عن رمزية الديمان وما تمثّله بكركي
كتب يوسف معوض لـ “Ici Beyrouth”:
“ما هذه الجمهورية المجنونة التي تجمع وزراءها في الديمان تحت إشراف البطريرك الماروني؟”.. هكذا أتت ردّة فعل بعض السّاخطين الّذين لا يُريدون رؤية الفرق بين حرص البطريرك بشارة الراعي الّذي يسعى لإعادة إطلاق العملية الدستورية، وعصا الوعيد التي يهدّد بها حزب الله المسيحيين.
لا يمكن لأيّ استهزاء ببكركي أن يمرّ دون عقاب! هذا هو الدرس الذي تعلمته الأسرة الحاكمة في دمشق بالطريقة الصعبة. على مدى عشر سنوات، دجّن حافظ الأسد لبنان واستعبد سياسييه، على الأقل أولئك الكثر الذين وافقوا على الإنحناء. وبعد أن وضع بلدنا في مأزق محكوم، ضلّل الرئيس السوري حينها اتفاق الطائف وحرفه عن هدفه، في إطار ترسيخ مفهومه عن سوريا الكبرى. واعتقد بذلك أنه قادر على اختزال البطريركية المارونية بتابعٍ تماماً كما فعل مع الشخصيات الدينية السورية من جميع الأديان وبتكلفة زهيدة. لكن الخطة لم تنجح في بلاد الأرز وانتهى الأمر بأن دفع ابنه بشار الثمن غالياً لسياسة غير حكيمة: الطرد من لبنان!
لم يفشل البطريرك صفير في الاختبار ولم يزر دمشق، لا قبل اغتيال الرئيس الحريري ولا بعده! فأيّ دليل أفضل من ذلك للأوساط التي ادعت السيادية في ربع الساعة الأخير؟
لكن أن ينعقد “مجلس الوزراء” في 8 آب في المقر الصيفي البطريركي؟ لقد أصر البطريرك الراعي على أن اللقاء المقصود لم يكن جلسة لمجلس الوزراء، بل اجتماعًا مرتجلًا لمناقشة قضايا الساعة. ومع ذلك، وبغض النظر عن المبررات اللاحقة لهذا الاجتماع غير العادي، لا بد من الإشارة إلى أن البطريرك يبقى في ظل الشغور الرئاسي، ملزماً بالتّدخل بصفته وديعًا لإرث الاستقلال الوطني. وذلك لأنه يجسد ولأسباب تاريخية، شرعية تتجاوز الانقسامات المجتمعية. وهذا ما يترجم في موقف عالم الإسلام رضوان السيد الذي عبّر في 25 شباط/فبراير 2021، عن الوقوف إلى جانب البطريرك ودعمه في مبادرته […] وتقديره فضائله وإدامته لتقاليد أسلافه.. البطاركة الجليلون الذين أرشدوا المؤمنين وحافظوا على استقلالية هذا الكيان لجعله وطناً نهائياً يجمع أبنائه في تمسكه بهويته العربية، ويحمل رسالة سامية في بيئته المباشرة وفي جميع أنحاء العالم. هكذا، أعاد البطريرك الماروني، من خلال استقباله في مقر الديمان المطل على وادي قاديشا الرمزي، أعضاء مجلس الوزراء المستقيل بحثًا عن الشرعية، تأكيد ثقله في الميزان السياسي، حتى ولو رأى البعض في هذه الخطوة بعض الغرابة.
العلمانيون، مجدداً!
استياء كبير اعترى العلمانيين مجدداً! أين الفصل بين الكنيسة والدولة؟ ذلك الفصل الذي تعلموه من الكتب وتباهوا به في الصالونات؟ هؤلاء الخطباء مدعوون لمراجعة حساباتهم! لِمَ لَم تُسمع أصواتهم عندما شنّ آيات الله حروبهم الخاصة في عام 2006 أو حين رسموا حدودنا البحرية بما يتلاءم مع مصالحهم؟ سيبقى من الضروري أن نكرر على مسامع هؤلاء الخارجين عن المنطق أن هذا البلد هو تجمع للطوائف الدينية والقبائل المتنافرة. كيف لنا أن نقنعهم أن في “البانثيون” اللبناني، أماكن رمزية مثل المختارة وبكركي، التي لا يمكن التحايل عليها..أماكن توفر غطاءً معينًا وحصانة معينة، وحتى حصانة مؤكدة لمن يجد فيها ملجأ؟ هل في ذلك خروج عن المساواة المفترضة بين المواطنين؟ بالتأكيد ولكن الأهم من ذلك، هذه الرمزية تعني أنه لا يمكن للبنان الممتد على مدى 10452 كيلومترًا مربعًا أن يتجاهل دروزه أو مسيحييه. وهذا يعني أن جبل لبنان لن يسقط غداً بيد الثنائي الشيعي، بغض النظر عن العنتريات!
خاتمة دموية
قبيل انعقاد هذا الاجتماع غير الرسمي في الديمان برئاسة البطريرك الراعي، اغتيل الياس حصروني، أحد قادة القوات اللبنانية، في منطقة خاضعة لسيطرة حزب الله. ومع ذلك، لا يزال هناك من يصر على عدم رؤية الفرق بين بطريرك يسعى لإعادة إطلاق العملية الدستورية ورجل دين آخر يلوّح بالتهديد والوعيد للمسيحيين.. هؤلاء “الذمّيّين” الذين لا يستطيعون البقاء داخل قوقعتهم!
في غضون ذلك، أتت حادثة الكحالة لتؤكد من جديد خصوصية بعض المناطق. ذلك لأنه لا بد من الإعتراف بأن لبعض الأماكن حساسية معينة في الذاكرة وتعكس اللاوعي الجماعي. وهذا يعني أنه ليس من الحكمة التحايل على بكركي أو المختارة لأن الأمر محفوف بالمخاطر، تماماً كما في عين الرمانة أو بشرّي أو زغرتا أو عاليه أو الشويفات أو بعقلين أو زحلة أو طرابلس.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بالفيديو.. للمرة الأولى النيران الإسرائيلية تصل إلى طرابلس | الإنذار الإسرائيلي الثالث لهذه الليلة لسكان هذه المناطق! | بالفوسفور الأبيض.. مدينة بيروت في مرمى الغارات الإسرائيلية مرة جديدة |