صمت “الحزب” في عين إبل وعلانيته في الضاحية
في غياب أيّ نتيجة لتحقيق رسمي حتى الآن سواء في جريمة الحصروني أو في جريمة سليم، أصبحت هناك قناعة ثابتة أنّ “الحزب” متورط في الجريمتين حتى إثبات العكس.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
فترة قصيرة فقط، تفصل بين جريمة موصوفة في بلدة عين إبل الجنوبية قبل 20 يوماً، وبين رواية “حزب الله” السبت الماضي حول انتحار “داعشي” في الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي حين خيّم الصمت على “الحزب” في التعامل مع الجريمة الأولى، انبرى بالأمس إلى تلاوة أدّق التفاصيل في رواية الانتحار. فهل من دلالة على هذا التناقض في سلوك “الحزب”؟
عندما نتحدث عن عين إبل، فإنّنا نشير إلى بلدة في العمق الجنوبي القريب من الحدود بين لبنان وإسرائيل. وهي في الوقت نفسه في عمق البيئة التي تنتمي إلى “حزب الله”. فعلى بعد بضعة كليومترات من عين إبل إلى جهة الشرق، تقع مدينة بنت جبيل التي صارت بعد العام 2000 معقلاً لنفوذ “الحزب”. والأخير اختارها مكاناً للمهرجان الشهير الذي أقامه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية ممّا تبقّى من أراضٍ محتلة تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 .
وهكذا من الناحية الجغرافية، تقع عين إبل في معقل “الحزب”. وهو في هذه الحالة يمارس كلّ النفوذ الذي يجعله ممسكاً بزمام الأمور في هذه المنطقة. وهذا ما انكشف جليّاً في حرب عام 2006 عندما تحوّلت المنطقة إلى منصّة رئيسية للفصيل اللبناني المنتسب للحرس الثوري الإيراني في مقارعة إسرائيل. ومنذ 17 عامًا، بذل “حزب الله” ولا يزال بإسناد كامل من إيران، جهوداً هائلة لتحويل تلك المنطقة الجنوبية إلى مستودعٍ للإمكانات العسكرية والجهوزية الأمنية.
وعلى الرغم من خصوصية المنطقة لدى “الحزب”، وقعت جريمة قتل عضو المجلس المركزي في حزب “القوات اللبنانية” إلياس الحصروني. وتكشف كاميرا مراقبة وصول أربع سيارات وفي داخلها 8 أشخاص، فيقومون بخطف الحصروني ويسوقونه إلى مكان آخر، حيث وقعت الجريمة. فهل حصل ذلك، من دون أن يلاحظ من هو ممسك بأمن المنطقة أي شيء؟ وكان الأمر ليكون بسيطاً، لو أنّ “حزب الله” انبرى في اليوم التالي أو في الأيام القليلة التالية إلى التعليق. لكنّه لم يفعل. فهل هناك إثبات أكثر من ذلك من أنّ هناك أمراً ما يخفيه “الحزب”؟
ومن عين إبل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. تتولى “الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية” توزيع رواية مفادها “أنّ معلومات وصلت إلى “حزب الله” عن دخول السوري وسام دلّة خلسة إلى لبنان من منطقة التل، وهو المسؤول عن التفجير في منطقة السيدة زينب في دمشق ليلة العاشر من محرم. وبعدما استقرّ عند أقربائه في منطقة حي السلم، اشتُبه في تحضيره للقيام بعمل إرهابي، فتمت ملاحقته، وعندما علم بانكشاف مكان وجوده، ألقى بنفسه من الطبقة السابعة وجرى نقله إلى مستشفى السان جورج حيث فارق الحياة”. لكنّ الوكالة الرسمية، لم تشر لا من قريب أو بعيد إلى حضور أيّ جهة رسمية في الدولة، مثل محقق أو طبيب شرعي أو عناصر مخفر مجاور إلى مسرح الإنتحار وقاموا بدورهم الوظيفي. فكان هذا النقصان في رواية الوكالة بمثابة تأكيد أنّ نبأها المنشور هو من صنع “حزب الله”.
من ناحية “الحزب” أكمل ما يريد قوله في انتحار وسام دلّة. فهو أخذ رواية الانتحار في إعلامه الخاص إلى تمجيد “المقاومة” التي “لجمت العدوانية الصهيونية ضد لبنان وانتزعت حقوقه النفطية”. وانتهى إلى القول: “الإرهابي رمى بنفسه من الطبقة السابعة بعد انكشاف أمره قبل أن يرمي بشرّه بين المواطنين المتنعمين في هذه الأيام بما صنعته معادلة الجيش والشعب والمقاومة ضد الإرهاب أيام التحرير الثاني في الجرود اللبنانية”.
قبل استخلاص العبر من صمت “حزب الله” في جريمة عين إبل، وضجيجه في الضاحية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ “الحزب” هو عالق اليوم في أحداث الكحالة الأخيرة التي أظهرته ميلشيا خارج القانون. إذ من سمح له الظهور بسلاحه وإطلاق النار ما أدّى إلى مقتل المواطن فادي بجاني وسقوط قتيل في صفوفه هو أحمد القصاص؟ وكلّ ذلك في منطقة لبنانية خارج كل توصيفات عمل “المقاومة” التي يستخدمها؟
بالعودة إلى عين إبل، فالجريمة هناك، هي بمواصفات جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم في شباط 2020. وقد جرى قتل الأخير في منطقة تابعة لقوات الطوارئ الدولية، كما هو حال عين إبل. وعلى الرغم من أنّ قتل سليم أثار ردود فعل محلية ودولية بقي “الحزب” صامتاً. علماً أنّ الضحية ،كانت على خصومة سياسية كاملة مع “حزب الله”. ومارست خصومتها حتى الرمق الأخير بالقلم . فكان جزاؤها الرصاص.
وفي غياب أيّ نتيجة لتحقيق رسمي حتى الآن سواء في جريمة الحصروني أو في جريمة سليم، أصبحت هناك قناعة ثابتة أنّ “الحزب” متورط في الجريمتين حتى إثبات العكس.
أمّا في قضية انتحار السوري دلّة، فإنّ توزيع “الحزب” رواية انتحاره من دون أيّ سند رسمي يجعلها عرضة للشكوك.
وفي كل الحالات صار من المؤكد أنّ لبنان بحاجة إلى أمن رسمي كي يضع الأمور في نصابها لا أن تبقى الأمور في نصاب “حزب الله”.
وفي انتظار الوصول إلى تحقيق هذه “المعجزة” تبقى الأنظار متّجهة إلى خارج ما لا يخضع لسلطة الأمر الواقع. من هنا يجب الاهتمام بما طالبت به أمس مسيرة غاضبة بعد قدّاس الأحد في عين إبل. وقد ناشد الأهالي هناك قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب بتأمين حمايتهم تحت البند 12 من القرار 1701.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |