ماذا لو لم يستشهد بشير؟
بشير مختلف. مختلفٌ بأفكاره ورؤيته وشخصيّته. لم تنجب السياسة اللبنانيّة شبيهاً له، وقد لا تنجب. بشير أبيض أو أسود. ما من رماديّة في مواقفه وخطواته. بشير لبناني ومسيحي، وهذه لا تنتقص من تلك.
كتب طارق كرم لـ “هنا لبنان”:
تحلّ ذكرى انتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهوريّة وسط شغور رئاسي قاتم ومستوى دستوري ووطني بلغ قعر السياسة ولا يزال ينزل أكثر وأكثر.
بعد واحد وأربعين عاماً، كم هو مؤلم أن نستذكر بشير كحلم، وقد عشنا بعده أكثر من كابوسٍ رئاسيّ، ولعلّ الأخير كان الأكثر سواداً، وقد بلغنا فيه انهياراً غير مسبوق، وشهدنا على العجائب والغرائب، ومنها أن يحكم رئيسان، وأن تكون فترات تصريف الأعمال الحكوميّة أكثر من الولايات الأصليّة للحكومات…
23 آب كان حلماً وتحقّق. كان موعداً لخروج لبنان من الحرب التي تعدّدت تسمياتها، فتأخّر الموعد سنوات إضافيّة ولم تنتهِ الحرب إلا بمواجهةٍ دمويّة مسيحيّة مسيحيّة دفعنا ولم نزل أثماناً كبيرة لها.
ومنذ أربعين عاماً، نردّد عند كلّ أزمة وكلّ استحقاق وكلّ محطّة مفصليّة السؤال نفسه: ماذا لو لم يستشهد بشير؟
كان عدم استشهاد بشير ليمنع حرب “جيش عون” و”قوّات جعجع”، والتي دخلت إلى الكثير من بيوت المسيحيّين وفرّقتها، ومن الأساس ما كنا لنعيش قدرنا الأسود بكذبة عون من الجيش إلى الرئاسة.
وأيضًا كان ليمنع وقوع المسيحيين في فخ تحول موقع وشخص الرئيس إلى معرقل في بعبدا، تسري القرارات من دون توقيعه شتاءً، وإلى سائح في بيت الدين صيفًا، لا تحترم أي فئة أو حزب دستورية ووطنية وجوده ولا يفرق عدم انتخابه وبقاء موقعه شاغرًا من عدمه.
وكان عدم استشهاده سيمنع الاحتلال السوري الذي تكرّس كنتيجة للحرب الأميركيّة على العراق وخسارة المسيحيين للحرب في ١٩٩٠، وتثبيت الطائف الذي لم يطبق يومًا بانتظار ميثاق جديد قد يقضي عليهم تدريجيًا.
وكان عدم استشهاده سيمنع قيام حزب الله الذي تحوّل لاحقاً إلى دويلة داخل الدولة، وأحياناً أقوى منها.
كان عدم استشهاد بشير سيغيّر الكثير، وليس صحيحاً أنّه لو حكم كان الحلم سينتهي، كما حصل مع رؤساء آخرين، بدأوا عهدهم بوعودٍ وعهودٍ وأنهوها بخيبات.
بشير مختلف. مختلفٌ بأفكاره ورؤيته وشخصيّته. لم تنجب السياسة اللبنانيّة شبيهاً له، وقد لا تنجب. بشير أبيض أو أسود. ما من رماديّة في مواقفه وخطواته. بشير لبناني ومسيحي، وهذه لا تنتقص من تلك.
وفي 23 آب، ومع تسليمنا باستحالة بلوغ “بشيريّ” سدّة الرئاسة في الفترة المقبلة، لا نفقد الحلم بأن تولد “دولة بشير” يوماً ما، وهي دولة القانون الذي يُطبّق من دون تمييز، والدستور الذي يعلو على الجميع، ولبنان العربي من دون أن يُحكم من العرب أو ضدّهم، ولبنان الذي لا سلاح فيه خارج إطار الشرعيّة، ولبنان الذي لا تشعر طائفةٌ فيه بفائض قوّة ولا بعقدة ضعف.
وإن كانت مرّت أربعون وسنة على استشهاد بشير، فإنّ هذا الحلم ستتناقله الأجيال، وسيبقى مثل شعلة لن يقدر أحدٌ على إطفائها، فهي حيّة فينا، تماماً كما بشير… حيّ فينا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
35 عاماً… فهل نعطي رينيه معوض حقّه؟ | ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… |