هل يفتح الرسمي أبوابه هذا العام؟ “هنا لبنان” يكشف تفاصيل المفاوضات بين الروابط و”التربية”
استمراريّة العام الدراسي ليست مرتبطة فقط بالأساتذة، بل بمدى قدرة الوزارة على تأمين التكاليف التشغيليّة الكاملة للمدارس.
كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:
مع بدء موسم العودة إلى المدارس، يتخوّف الأهل من مصير العام الدراسي 2024، في المدارس الرسميّة، وسط تحذيرات من ضياعه، وذهابه رهينة إضرابات الأساتذة على غرار العام الماضي. حيث تعرقل العام الدراسي الجديد عقبات عديدة للسنة الخامسة على التوالي، معظمها لا تزال عالقة منذ العام السابق، وعلى رأسها رواتب وأجور وتحفيزات الأساتذة، إلى جانب كيفيّة تأمين الكلفة التشغيليّة للمدارس. فمنذ اندلاع الأزمة الإقتصاديّة في لبنان، والقطاع التربوي يشهد نكسة تربويّة وإقتصاديّة، أدّت إلى تآكل رواتب الأساتذة وخسارتها 80% من قيمتها، فضلاً عن ارتفاع وتضخّم جميع أسعار السلع، ومنها الكتب المدرسيّة، والقرطاسيّة، واللوازم المكتبيّة، وطبعاً المحروقات التي تستخدم للتدفئة خصوصاً في المدارس الجبليّة، عدا عن أزمة الكهرباء وانقطاعها المستمرّ في جميع إدارات الدولة والمرافق العامّة، فكيف سيكون حالها في المدارس الرسميّة؟ وأمام هذه التحديّات، سيكون بانتظار الأهل والطلاب عامٌ دراسيٌّ شاق، ما زال مجهول المصير حتى الساعة. فهل تفتح المدارس الرسميّة أبوابها؟ وهل تحلّ أزمة رواتب الأساتذة، أم أنّنا سنكون على موعد مع سلسلة إضرابات تشلّ العام الدراسي؟
إتفاق ضمني بين “التربية” والروابط
في هذا الإطار تلفت مصادر مطّلعة على المفاوضات الجارية بين روابط أساتذة التعليم الرسمي ووزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي في حديثها لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ “مطالب الأساتذة تتمحور حول خمس نقاط أساسيّة وهي: الراتب الشهري، العقد الكامل، بدل النقل، حوافز العام الماضي والحالي، وأجر ساعة يضمن لهم العيش الكريم، بعد أن أصبح أستاذ التعليم الرسمي موظّفا بالسخرة لدى الدولة، راتبه لا يكفيه للوصول حتى إلى المدرسة”.
هذا ورست المفاوضات بحسب المصادر على “منح الروابط جزءاً من مطالبها، وهي 220$ حوافز وزيادة بالراتب بالليرة اللبنانيّة بنسبة 70%. ما يعني أنّ رواتب الأساتذة ستتحسّن بنسبة 100% ضمن المطلوب والمعقول تنفيذه. وعلى الرغم من أنّ ذلك غير كافٍ بالنسبة للأساتذة، إلّا أنّ راتب المدرّس قد يصل على الأقلّ إلى 500$ شهريا”.
وعن موقف الحلبي، تقول المصادر “كان وزير التربية واضحاً بموقفه، حين قال للروابط أنّ هذا هو أقصى سقف بإمكانهم الوصول إليه في مفاوضاتهم مع وزارة التربية، وأنّ لا قدرة للوزارة على إعطاء المزيد من الزيادات على الرواتب، أو تلبية أيّ مطالب أخرى قد يتقدّم بها الأساتذة”.
العام الدراسي رهن رواتب الأساتذة وتأمين التكاليف التشغيليّة
وبالتالي ترى المصادر أنّ “العام الدراسي في التعليم الرسمي هو رهن سير الحلبي باتفاقه الضمني مع الروابط. إلّا أنّ استمراريّة العام الدراسي ليست مرتبطة فقط بالأساتذة، بل بمدى قدرة الوزارة على تأمين التكاليف التشغيليّة الكاملة للمدارس. حيث لهذه الأخيرة متطلّبات أيضاً، من مازوت وكهرباء، وقرطاسيّة وأدوات مكتبيّة وتنظيفات ومياه، وكتب طلاب التعليم المتوسّط، والتقديمات الإجتماعيّة”.
وتتابع “هذا ومعظم صناديق المدارس ومجلس الأهل مردودها صفر. فيما التكاليف التشغيليّة تختلف بين محافظة وأخرى، بفوارق شاسعة. فالمدارس الرسميّة في بيروت على سبيل المثال لن تحتاج إلى مازوت للتدفئة إنّما حاجتها ستقتصر على الأدوات المكتبيّة، والقرطاسيّة والكهرباء. وهذه الأخيرة بدورها متوفّرة بمناطق أكثر من أخرى. بحسب الموقع الجغرافي للمدرسة وإذا ما كانت تستفيد من معامل توليد الكهرباء القريبة منها، كمدارس البقاع الغربي. إلّا أنّ هذه الأخيرة، وكحال معظم مدارس القرى الرسميّة، تحتاج إلى مازوت للتدفئة. حيث يصل استخدامها إلى برميل من المازوت يوميًّا. وخصوصاً في الأشهر الثلاث القاسية في فصل الشتاء، وهي كانون الأوّل، كانون الثاني، وشباط. حيث تشتدّ العواصف في هذه الأشهر وتتساقط الثلوج، ما يفرض ضرورة تأمين وسائل التدفئة للتلاميذ في المدارس الرسميّة، والتي تصل كلفتها إلى 12 ألف دولار لتغطية 60 يوم تعليمي. فكيف ستتمكّن الدولة من تأمين هذه الأموال؟”.
الجهات المانحة مجبرة على الدفع وإلّا…
وعن واقع الجهات المانحة تقول المصادر أنّ “هذه الأخيرة مجبرة على الدفع، وهي لا تملك خياراً آخر مهما حاولت التهرّب أو فرض شروطها بدمج النازحين السوريين بالطلاب اللبنانيين. حيث أنّه وإن لم تفتح المدارس الرسميّة أبوابها هذا العام، فلن يكون هناك تعليم للسوريين في ساعات بعد الظهر أصلاً. وبالتالي الوضع لا يحمل مفاوضات، حيث أنّ تعليم السوريين أصبح مهدداً، والمسألة لم تعد تتعلّق بعمليّة دمجهم أم لا. ما قد يفرض على الجهات المانحة الدفع ولو لم يتمّ دمج الطلاب السوريين باللبنانيين”.
توجّه لرفع رسم التسجيل
وعن احتمال رفع رسم تسجيل الطلاب في التعليم الرسمي الثانوي، حيث أنّ التعليم في الصفوف الرسميّة الوسطى هو مجاني 100% لا بل لا يتكلّف الأهل على أبنائهم سوى بدل النقل، فحتى الكتب المدرسيّة تؤمّنها الدولة. تقول المصادر أنّه “من البديهي أن تلجأ الدولة لرفع رسم التسجيل في المدارس الثانويّة الرسميّة، علماً أنّ التعليم في هذه الأخيرة شبه مجانيّ، ولكن وإن ارتفعت فهي لن تتخطّى سقف الـ100 دولار. (هذا وقد وصل رسم التسجيل إلى 6 ملايين ليرة) وهو خيار لا بدّ للوزارة من اللجوء إليه لتأمين إيرادات لسدّ بدل تكاليفها التشغيليّة. فالجامعة اللبنانيّة، والتعليم المهني، والتعليم الخاص، جميعهم رفعوا أقساطهم”.
وبحسب المصادر “من المفترض أن يبدأ التسجيل للطلاب في المدارس الرسميّة في أوّل أسبوع من شهر أيلول، فيما تبدأ الدروس في آخر أسبوع من شهر أيلول. إلّا أنّ هذا الأمر يبقى رهينة المفاوضات والدرس بين الروابط والوزير”.
واستغربت المصادر “كيف أنّ الدولة اللبنانيّة، وفي هذه الظروف الإقتصاديّة البائسة، لا تزال توفّر تعليماً مجانياً بالكامل للصفوف الوسطى، أيّ للطلاب بين الصفّ الأوّل ووصولاً إلى الصفّ التاسع. فيما لو وضعت الدولة رسماً رمزيّا للتسجيل، وأبقت مهمّة تأمين الكتب والقرطاسيّة على عاتق الأهل كانت سؤمّن إيرادات ضخمة لخزينتها من جهة، وتوفّر على نفسها مصاريف وتكاليف تشغيليّة كبيرة من جهّة أخرى”.
سيناريو متفق عليه
هذا وتتوقّع المصادر “سيناريو متفقاً عليه، سيحدث في شهر 11 و12 من العام 2024، أي في تشرين الثاني وكاون الأوّل، وهو أن يقوم الأساتذة وباتفاق ضمني مع الوزير، بالإضراب في هذين الشهرين، لتخفيف أعباء التكاليف التشغيليّة على الوزارة على أن يستكمل العام الدراسي ويعاود العمل في المدارس الرسميّة بشكل طبيعي في الشهر الأوّل من العام الجديد”.
هجرة من التعليم الرسمي إلى الخاص
وأمام هذا الواقع المرير الذي وصلت إليه المدارس الرسميّة، تشير المعلومات إلى ظهور موجات هروب من التعليم الرسمي إلى التعليم الخاص، على الرغم من الأقساط المرتفعة لهذا لأخير. حيث بدأت العديد من المدارس الرسميّة تفرغ من طلابها، بشكل يهدّد استمراريّتها في الفترة الممتدّة بين العام 2019 و2023. فتقلّص عدد الطلاب من 1200 إلى 300 طالب في إحدى الثانويات الرسميّة في الجنوب، فيما تراجع عدد الطلاب في مدرسة أخرى من 600 إلى 150 طالباً في عام واحد فقط. بعد أن قزّم إضراب الأساتذة العام الدراسي الماضي إلى 80 يوماً تعليمياً فقط، مقابل أكثر من 120 يوماً تعليميّا للمدارس الخاصّة.