الـ”Getaway”.. تستحوذ على المشهد السياحي في لبنان
قطاع الـ Getaway كانت له حصّة الأسد من الزبائن الباحثين عن أماكن للمنامة والخدمة الجيّدة في ظلّ غياب الفنادق خصوصًا في المناطق اللبنانيّة البعيدة.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
تقاسم نجاح الموسم السياحي هذا الصيف إلى جانب قطاع المطاعم، قطاع الـGetaway أيّ “الشاليهات” و”البانغالوز” والخيم وبيوت الضيافة، وكلّ ما يدخل هذه الخانة من مشاريع حديثة النشأة في لبنان، إنطلقت في عزّ جائحة كورونا، في العام 2019، وسط الحاجة الملحّة للمواطنين للاستجمام في أماكن لا خطر فيها على صحّتهم، وبسبب تعليق حركة الطيران، ما حوّل السياحة في لبنان من سياحة خارجيّة إلى داخليّة، ما دفع بالمواطنين إلى استكشاف بلدهم الأمّ، والتجوّل في مناطقه من أقصى الشمال إلى الجنوب. كما كان لافتاً النشاط الذي طرأ على رياضة الـHiking التي حصدت العديد من هواة التعرّف على طبيعة لبنان، ما انعكس إيجابًا على قطاع الـ Getaway الذي كانت له حصّة الأسد من الزبائن الباحثين عن أماكن للمنامة والخدمة الجيّدة في ظلّ غياب الفنادق خصوصًا في المناطق اللبنانيّة البعيدة. فضلاً عن أنّ قطاع الفنادق كان قد تراجع بعد أزمة كورونا وانفجار 4 آب، وحراك 17 تشرين، والأزمة الإقتصاديّة، حيث أقفلت العديد من الفنادق أبوابها، فيما أخرى لا تزال تنتظر شركات الضمان لتعوّض عليها خسائرها.
أكثر من 3000 مشروع في 1000 بلدة لبنانيّة
وهكذا شهد قطاع الـGetaway فورة في لبنان، مع الموسم السياحي الصيفي لعام 2023، فوصل إلى القمّة، محتلًّا المراتب الأولى من ضمن أكثر المشاريع التي تدرّ مردوداً عاليًا وبالدولار الفريش أيضاً. وبالرغم من غياب الأرقام التي تحصي أعداد هذه المشاريع إلّا أنّه وممّا لا شكّ فيه أنّ عدد هذه الأخيرة تخطّى الـ3000 مشروع، وهذه المشاريع منتشرة في أكثر من 1000 بلدة لبنانيّة. وهو ما دفع وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار بالحديث عن توجّهه لتأسيس نقابة لهؤلاء، تنظّم عملهم في لبنان، وتضعهم على الخارطة السياحيّة اللبنانيّة، والتي من خلالها تسوّق الوزارة للأماكن السياحيّة والتراثيّة في لبنان. وهذا المشروع إن تحقّق سيسمح للدولة بإدخال المزيد من الإيرادات إلى خزينتها، نتيجة الضرائب التي قد تحصّلها من أرباح هؤلاء، كما سيساهم في التسويق أكثر لهكذا أنواع من المشاريع.
ولعلّ السرّ وراء الشهرة الواسعة التي حصدها أصحاب الـGetaways يكمن بلجوئهم إلى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، بهدف التسويق لعملهم، حيث تعاقدوا مع الـFood bloggers ، والـInfluencers والشخصيات المعروفة في عالم السوشيل ميديا، سعيًا إلى التعريف عن مشروعهم، واستقطاب العدد الأكبر من السوّاح الأجانب واللبنانيين المغتربين وحتى المواطنين. ولم تتوقّف عمليّة التسويق عند مواقع التواصل الإجتماعي بل تعدّتها لإنشاء مواقع إلكترونيّة تسوّق لأبرز وأشهر الأماكن السياحة في لبنان، وتطبيقات إلكترونيّة أيضا تسوّق للـGetaways.
عمل الـGetaways لم يعد محصوراً بالموسم السياحي
وإذا ما أردنا فهم سبب جذب هذا القطاع لهذا الكمّ من السوّاح الأجانب، الذين بمعظمهم يفضّلون استئجار Bungalow أو بيت ضيافة عن النزول في فندق، تكفي مقارنة سريعة بين الخدمات التي توفّرها الفنادق وكلفة بدل الخدمة، والخدمات التي توفّرها هذه الأماكن وكلفة بدل الخدمة، ليتبيّن لنا أنّها أوّلاً أرخص، وثانياً، لديها وفرة مشاريع ونشاطات، كما أنّها عمليّة أكثر، فيما معظم الأجانب يفضّلون التوجّه نحو كلّ ما هو طبيعي وجديد ومبتكر، ويدخلهم في تجربة مميّزة وجديدة، بدل البقاء في فندق يمكن الحصول على تجربته في أيّ وقت.
ولا يقتصر عمل الـGetaways على استقطاب السوّاح الأجانب فقط، ولا ينحصر بالموسم السياحي، بل أصبح يشمل أيضا أعياد الميلاد، وحفلات الأعراس، وشهر العسل، حيث يفضّل العديد من المواطنين اللبنانيين الاحتفال بأعياد ميلادهم عبر استئجار شاليه أو فيلا أو بانغالو مع مسبح خاص، على أن يؤمنوا هم طعامهم، بدل الإحتفال بأعياد الميلاد في المطاعم أو النوادي الليليّة وسط زحمة الناس وغلاء الأسعار.
هذا وأصبح المقبلون على الزواج يفضّلون الإحتفال بزواجهم بطرق جديدة وعصريّة ومبتكرة، مختلفة عن الطرق التقليديّة التي اعتاد أهلهم على اعتمادهم، كبوفيه في صالة الكنيسة أو المنزل، أو حفلة مع عشاء في مطعم. فكم كثرت صور لأشخاص على مواقع التواصل الإجتماعي قرروا الإحتفال بعرسهم بين أحضان الطبيعة، أو على شاطئ البحر، ليكمل من بعدها الأزواج شهر عسلهم في بيوت من خشب في الطبيعة، أو خيمة في حقل من الصنوبر، أو حتى بانغالو وسط الغابة.
العصر تبدّل والأذواق أيضاً وكلّه صبّ لمصلحة قطاع الـgetaways، والذي كانت منطقة الجنوب نجمته هذا العام، بعد أن انتشرت في بلداتها مشاريع بالآلاف، وصلت إلى القرى الحدوديّة منها منطقتي العديسة والخيام.
وهذ المشاريع، شجعّت أيضاً الشباب إلى العودة إلى قراهم، لينتج عنها نزوح عكسيّ، من المدن إلى القرى، فضلاً عن خلقها لعدد لا يستهان به من الوظائف وفرص العمل للشباب، ما ساهم في تخفيض نسبة البطالة.
مشاريع صديقة للبيئة تشجّع السياحة الداخليّة
وفي هذا الإطار يقول عضو لجنة السياحة النائب جيمي جبّور في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إننا “وفي اجتماعنا الأخير مع وزير السياحة وليد نصّار أعلمنا أنّ هذا النشاط زائد في القطاع السياحيّ ويشهد نموّاً كبيراً على جميع الأراضي اللبنانيّة، ونحن كنوّاب بدأنا فعلاً نلمس زيادة في هذه المشاريع على أرض الواقع خصوصاً في المناطق التي نتواجد فيها”، متفائلاً “بنقابة بيوت الضيافة، وهو المشروع الذي تعمل عليه وزارة السياحة، وله مستقبل مشرق لديمومة واستمراريّة هذا القطاع في لبنان”.
ولفت جبّور إلى أنّ “مشاريع الـGetaways هي مشاريع صديقة للبيئة بمعظها وتشجّع على السياحة البيئيّة في القرى والمناطق الطبيعيّة، تشجع على اكتشاف طبيعة لبنان والمحافظة على البيئة لما تحققه هذه المشاريع من عائدات ماليّة، تجعل أفرادها يحافظون على البيئة التي أنشأت فيها مشاريعهم”.
ورأى أنّ “لهذه المشاريع منفعة اجتماعيّة، فهي تساهم بتنمية المناطق، وبخلق فرص عمل في القرى، كما تساهم في تنمية قطاع السياحة، فيما أسعارها متوسّطة، ومقبولة تتناسب مع جميع الطبقات الإجتماعيّة لا سيّما أصحاب الدخل المحدود والمتوسّط، كما أنّها تقلّل من الضغط عى الفنادق، وتنشّط السياحة الداخليّة”، معتبراً أنّ “اليوم أصبح معظم المواطنين اللبنانيين يفضّلون السياحة الداخليّة، على السفر، نظراً لكلفتها المنخفضة مقارنة بالخارج، فيما هذا النمو السريع مشجع جدا”.
في المحصّلة، تعتبر تجربة الـGetaways، في لبنان، نموذجاً حقيقياً، لنوع الإستثمارات الناجحة التي قد يمكن اللجوء إليها، لتحقيق الأرباح وضمان الإستمراريّة، في ظلّ هذه الظروف الإقتصاديّة الصعبة التي يمرّ بها لبنان. وعليه، يؤكّد نجاح هذا النوع من المشاريع، أهميّة تنشيط القطاع السياحي، وضمان صموده، فهو لطالما كان أحد العواميد الأساسيّة لإقتصاد لبنان.