ماذا أثمرت مصالحة الجبل بعد 22 عاماً؟
كان لا بدّ من طيّ صفحة الماضي الأليم مع انتهاء الحرب، لتبدأ مرحلة التفاهمات المرحلية، وصولاً إلى إرساء مداميك المصالحة بعد الطائف من خلال مؤتمر بيت الدين
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
حين جرت مصالحة الجبل في آب من العام 2001 بين المسيحيين والدروز، توافق الطرفان على ضرورة نسيان الماضي الأليم وحروبه، لأنّ الهدف كان وما زال إنهاء الانقسامات السياسية، وإعلان الإيمان المشترك في الهوية، لأنّ قيمة لبنان بتعدّديته وتنوّعه لا سيّما في الظروف العصيبة، التي تتطلب المزيد من التواصل بين الأفرقاء وتعزيز لغة الحوار، مع التشديد على ضرورة أن تبقى منطقة الجبل بمنأى عن الصراعات الدائرة في البلد، من خلال كسر حدّة الاصطفافات وإسقاط المتاريس السياسية والنفسية، وتنفيس الاحتقان السياسي على المستوى الداخلي، إذ من المهم جداً أن تفتح قنوات الاتصال لتطبيق المثل القائل: “إذا الجبل بخير فلبنان كله بخير”.
من هذا المنطلق يبدي البطريرك الماروني بشارة الراعي اهتماماً كبيراً بتثبيت المصالحة، التي أرساها البطريرك الراحل نصرالله صفير في الشوف قبل 22 عاماً، وحينها وصفت زيارته بالتاريخية، لأنها أنهت حرباً طائفية في النفوس، بعد أن تحققت على أرض الواقع في العام 1983 على أثر التهجير المسيحي من قرى الجبل، خصوصاً تلك التي شهدت معارك عنيفة سقط خلالها ضحايا من الفريقين، ما خلق أجواء من الحقد استمرت لسنوات عدة، وكانت نتيجتها عودة خجولة جداً للمسيحيين، بعد دفع تعويضات مادية خجولة أيضاً من صندوق المهجرين. لذا كانت منطقة الشوف في ذلك الوقت النقطة الأكثر حساسية في لبنان وعلى مختلف الأصعدة.
*حقبة شمعون- جنبلاط : ممنوع المسّ بالجبل*
بالعودة إلى حقبة الراحلين كميل شمعون وكمال جنبلاط، التي تميّزت بهدوئها واستقرارها بفضل حنكتهما السياسية البعيدة عن السجالات، والتي جسّدت عنوان “ممنوع المسّ بالعيش المشترك في الجبل”، يُستذكر من تلك الحقبة الحياد الدائم عن الصراعات، إذ كانا دائماً يأخذان بعين الاعتبار العلاقة المسيحية – الدرزية في أرجاء المنطقة. لكن وتحديداً في فترة الثمانينات وما تبعها من مراحل شهدت إنزلاقات سياسية وطائفية ومناكفات ومعارك بين الأفرقاء المتواجدين، كان لا بدّ من طيّ صفحة الماضي الأليم مع انتهاء الحرب، لتبدأ مرحلة التفاهمات المرحلية، وصولاً إلى إرساء مداميك المصالحة بعد الطائف من خلال مؤتمر بيت الدين، في زمن النائب الراحل جورج سعادة، فحصل حينها إنفتاح على قيادة الحزب “التقدمي الاشتراكي”، ومن ثم جرى توقيع الوثيقة التاريخية بين الرئيس السابق أمين الجميّل والنائب حينها وليد جنبلاط في قصر المختارة، ومن ثم المصالحة التاريخية في آب 2001، يوم زار البطريرك صفير المختارة، ولاحقاً سار على دربه البطريرك الراعي، الذي يتفقد الجبل كل فترة ويتابع جولاته هناك لإحياء المصالحة من جديد.
في السياق وبالتزامن مع الذكرى الـ 22 للمصالحة، زار شيخ عقل الموحدين الدروز سامي أبي المنى الديمان قبل شهر تقريباً، على رأس وفد من المجلس المذهبي ومشيخة العقل، حيث التقوا البطريرك الراعي للمساهمة أكثر في تثبيت أبناء الجبل في قراهم، على أن يرد الراعي الزيارة في 8 أيلول الجاري، أي يوم الجمعة لتثبيت أسس العيش المشترك.
المونسنيور أبو كسم: طابع خاص للقاء المسيحي– الدرزي
للإضاءة على تفاصيل زيارة سيد بكركي، كان لـ “هنا لبنان” اتصالٌ مع مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم، الذي قام بتنسيق الزيارة مع المونسنيور مارون كيوان، بإشراف راعي أبرشية صيدا ودير القمر للموارنة المطران مارون العمّار، وهم سيرافقون البطريرك خلال جولته مع عدد من المسؤولين الروحيين.
إلى ذلك أشار المونسنيور أبو كسم في حديثه لـ” هنا لبنان” إلى أنّ هدف الزيارة متابعة نتائج المصالحة بعد 22 عاماً، ومعرفة ما الذي أثمرته بعد كل تلك السنوات، ولتجديد ركائزها، لافتاً إلى أنّ جولة سيّدنا الراعي ستبدأ صباحاً في منطقة شانيه للقاء شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى، وبعدها سيترافقان سوياً إلى مطرانية بيت الدين، ومن ثم إلى المكتبة الوطنية في بعقلين، حيث ستقام ندوة تشارك فيها فعاليات منطقة الجبل، حيث يلقي البطريرك الراعي والشيخ أبي المنى كلمتين في المناسبة، يتحدثان خلالها عن النتيجة التي انبثقت عن المصالحة، وكيفية تعزيزها أكثر من قبل المسيحيين والدروز، والعمل على الحدّ من هجرة الشباب من الطائفتين، وتجذيرهم في أرضهم ومدى قيام الأوقاف بتسهيل عملية إبقائهم في المنطقة كجيل واعد، وبعدها يقام غداء في المختارة بدعوة من النائب السابق وليد جنبلاط، وعند السادسة مساءً يحتفل بقداس في كنيسة سيدة الخلاص في بيت الدين، لمناسبة ميلاد السيدة العذراء سيحضره حشد كبير من المؤمنين وأهالي المنطقة.
وختم أبو كسم: “لا شك في انّ اللقاء المسيحي- الدرزي يحمل طابعاً خاصاً، ويعكس دائماً صدى إيجابياً على مختلف الأفرقاء في لبنان”.
الشيخ زين الدين: المصالحة طوت صفحة الجراح
وفي السياق يقول منسّق الزيارة من الجهة الدرزية، المستشار الإعلامي لمشيخة العقل الشيخ عامر زين الدين لـ “هنا لبنان”: يأتي هذا اللقاء ضمن إطار تكريس روحية المصالحة الوطنية، التي طوت صفحة الجراح بعدما شكلّت غيمة سوداء في سماء الجبل، واليوم ستكون تحت عنوان “ثمار المصالحة وآفاق المستقبل” من أجل تعزيز تلك الروحية، والوجود المسيحي- الدرزي في آن”.
وأشار زين الدين إلى وجود أفكار ستساهم في خلق المناخات الإيجابية، ومن ضمنها المناخ الاقتصادي تكريساً لهذا الوجود، ولتثبيت أبناء الجبل في قراهم، في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي يمّر به لبنان، وبالتالي كي لا يفرغ الجبل من شبابه كما يحصل في كل لبنان، وخصوصاً من الأدمغة التي تترك الوطن وتهاجر.
