“كلة” الكبار!
ما يجري اليوم أقرب إلى لعبة الكلة الشهيرة، لاعبها الأكبر رئيس مجلس النواب، فهو من يقرر اتجاه المنافسة: يوماً “يمنح” الحوار 7 أيام، وأياماً يقفل باب مجلس النواب
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
كلما امتد الزمن تحت مظلة أزمة انتخاب رئيس للجمهورية زاد شعور اللبنانيين بالسخافة السياسية، وسفاهة ما نسميه الحياة السياسية، واستهبال الرأي العام بمجانبة تطبيق الدستور، واختراع تطبيقات له يشبه اقتراحها حلولاً يقترحها فتيان اختلفوا على لعبة الكلة التي عرفها الجميع في الصغر، وتشاجروا لأجلها، واشتبكوا إلى أن تدخل “الأهل” وأصلحوا ذات البين.
ليس أدلّ إلى ذلك من الوصول في أيار 1958 إلى انتخاب الأمير اللواء فؤاد شهاب، قائد الجيش حينها، رئيساً للجمهورية بتفاهم مصري- أميركي على أنقاض حلف بغداد، ورماد مناوشات عسكرية أهلية، إثر انقلاب عسكري في العراق في 14 تموز أطاح بالملكية، وأقام الجمهورية التي بادرت إلى إعلان تأييدها للناصرية، ما غيّر موازين القوى في المنطقة، وأدى إلى وقف” الإنتفاضة”، وإطفاء جذوة حرب أهلية، ووقف إنزال بحري أميركي على شاطئ بيروت ترافق مع إنزال بريطاني في الأردن.
ثم تدخل “الأهل”، أي “كبار العالم والمنطقة” في العام 1982، إبّان الإجتياح الإسرائيلي، حين وفدت جيوش من أكثر من 10 دول، لحفظ السلام جنوب لبنان، لكن إسرائيل خرقته تكراراً، وتوّجت اعتداءاتها بالإجتياح عام 1982، ثم اغتيال الرئيس بشير الجميل، فانتخاب شقيقه أمين رئيساً خلفاً له.
ما كان ذلك ليكون لولا مفاوضات سرية وعلنية، أميركية- أوروبية- عربية، وإسرائيلية. وفي الأساس، ومنذ الشيخ بشارة الخوري لم ينتخب رئيس خارج تسوية متعددة الوجوه، مقبضها في يد القوة الإقليمية المسيطرة، كدور بريطانيا في وصول الرئيس كميل شمعون، وحلول الرئيس شارل حلو، برضا مصري في كرسي الرئاسة.ثم جاء الزمن الأسدي، ومعه الرئيس الياس سركيس، في ظل السيطرة السورية، وقبله سليمان فرنجية الفائز بفارق صوت واحد بعدما قسم الزعيم كمال جنبلاط نوابه مجموعتين واحدة أيدت زعيم زغرتا والثانية خصمه سركيس ،امتعاضاً مما عرف بأزمة طائرة الميراج الفرنسية التي كشف “المكتب الثاني” (المخابرات اللبنانية) محاولة تهريبها إلى موسكو.
عام 1969، اقتتل الجيش اللبناني مع المسلحين الفلسطينيين ما أدى إلى الاقرار بحق الفلسطينيين بامتلاك السلاح على الأرض اللبنانية من خلال ما عرف باتفاق القاهرة (نهاية عهد شارل حلو(أيلول 1969).
كانت بوسطة عين الرمانة الشهيرة تنتظر الحرب الأهلية، والإقليمية، فجاء “اتفاق الطائف” ليطفئها، باسم المجتمع الدولي والعربي فكان اغتيال الرئيس رينيه معوض، إذ لم تطمئن القبضة السورية التي تريد هيمنة مطلقة على ما تسميه الورقة اللبنانية فـ “نكهته” الأميركية لم تُرح الهيمنة الأسدية، وبذلك باتت الرئاسة اللبنانية قراراً سورياً مطلقاً مرّ تحت مظلته الرؤساء الياس الهراوي، وإميل لحود وميشال عون وقبله ميشال سليمان الذي أتى به “اتفاق قطر”.
تشي الأزمان بأن رئيس الجمهورية لم يأتِ مرة بقرار لبناني صافٍ، فهذا البلد الصغير ذو أهمية استراتيجية تؤكدها الأزمات التي لم تتركه يوماً يعيش الديموقراطية التي يريدها أبناؤه، ولا شك أن تدخل الولايات المتحدة الأميركية، عسكرياً عام 1958، وديبلوماسياً، في كل حين، ليس بسبب اعتقاد واشنطن أن هوية لبنان مهددة، بل لأهمية لبنان كحلقة في السلسلة العربية.
ما يجري اليوم أقرب إلى لعبة الكلة الشهيرة، لاعبها الأكبر رئيس مجلس النواب، فهو من يقرر اتجاه المنافسة: يوماً هو مايسترو الحوار المرتقب، ويوماً يرفض أن يشارك لأنه اكتشف أنه طرف في الإشتباك السياسي. يوماً “يمنح” الحوار 7 أيام، وأياماً يقفل باب مجلس النواب ويقطع الكهرباء، وربما الماء والهواء، عن نواب اعتقدوا أنهم في ديموقراطية جدية، ولم يتنبهوا إلى أن الديمقراطية، حسب “السيد غوغل” نظام حكمٍ معناهُ “كل القوة بيد الشعب، ويدار المجتمع بواسطة مواطنيه وليس بواسطة الأغنياء (الأرستقراطية)، أو الفرْد (الاستبداد) أو العائلة الملكية (نظام ملكي) أو رجال الدين (حكم ديني)”. لكنه لم يلحظ أن للبنانيين، بفضل قياداتهم السياسية، ديموقراطية خاصة بهم هي مزيج من كل ذلك، و”تاجه”جعل الطائفة حزباً، وجعل الحزب طائفة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |