عين الحلوة.. ساحة لرسائل ساخنة
انهارت الهدنة الهشة وكانت جولات من المواجهات، وسط توقيت مريب عشية استئناف المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان مهمته، وبذل الخماسية الجهد لانتخاب رئيس
كتب فيليب أبي عقل لـ “هنا لبنان”:
يعكس الوضع المتفجر في مخيم عين الحلوة صورة الوضع في المنطقة والصراع بين قوى إقليمية على الدور والنفوذ والملف الفلسطيني، وما الجولات التي تدور بين هدنة وأخرى إلا خير دليل على ذلك.
على ما يبدو، هنالك توجه لإنهاء “وظيفة” عين الحلوة وتهجير سكانه إلى مناطق أخرى للتخفيف من عبء الوجود الفلسطيني، خصوصاً بعدما تحول المخيم إلى ملجأ لخلايا إرهابية نائمة ومقر للإسلاميين والأصوليين والتطرف يستخدمونه لمصلحة أجندة إقليمية في محور الممانعة. وإنّ تسلل إسلاميين من سوريا إلى المخيم “لنصرة إخوتهم ضد فتح” يعكس هذا المسار، لأن حركة فتح وفق أوساطها تريد إنهاء الحالة الإسلامية وتطهير المخيم تطبيقاً لمعادلة “التعايش مع الإسلاميين غير وارد”، خصوصاً عشية السعي لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لإنهاء الصراع وفق حل الدولتين.
يروي مسؤول سابق أنه خلال الاحتلال الاسرائيلي للبنان في ثمانينات القرن الماضي لم تقتحم القوات الإسرائيلية “عين الحلوة”، بل فرضت حصاراً شديداً حوله، استناداً إلى تقارير أمنية تشير إلى أنه “يحتضن حالات أصولية متطرفة” وتحول لاحِقاً إلى ملجأ للفارين من وجه العدالة وللإرهابين من جنسيات مختلفة.
وبالعودة إلى الأحداث الحالية، فقد انفجر الوضع الأمني بعدما رفض الإسلاميون تسليم قتلة اللواء أبو أشرف العرموشي قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني وهم ثمانية، تنفيذاً لقرارت اجتماع السفارة الفلسطينية مع قادة الفصائل والمنظمة، كما رفضوا وقف إطلاق النار وإخلاء مدارس الأونروا من المسلحين وإزالة الدشم والتحصينات. لذلك انهارت الهدنة الهشة وكانت جولات من المواجهات، وسط توقيت مريب عشية استئناف المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان مهمته، وبذل الخماسية الجهد لانتخاب رئيس.
وقد تبين أن الصراع يشارك فيه غير فلسطينيين لحسم السيطرة على المخيم وقد اتخذ الاسلاميون تحصينات مسبقة تحسباً للحسم العسكري بقصد السيطرة، لأن الصراع هو على الورقة الفلسطينية.
ويضع مراقبون المواجهات في سياق الرسائل الساخنة بين المتصارعين على من يملك “القرار” على الساحة، لذلك انقسم اللبنانيون بين مؤيد لفتح وبين داعم للإسلاميين. كما ترى أوساط مراقبة أنّ المخيم تحول إلى ساحة لبعث الرسائل الساخنة في أكثر من اتجاه وفي أكثر من ملف.
وتتخوّف الأوساط من أن يتحوّل عين الحلوة إلى “نهر بارد” جديد، وسط معلومات عن حرص الجيش على اقتصار دوره على تشديد الطوق وتكثيف الاتصالات لتنفيذ وقف النار واتخاذ الإجراءات التي تساعد على تنفيذ “اتفاق السفارة” وعدم التورّط في المعارك رغم محاولات استدراجه لذلك.
وقد عكس اتصال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس خطورة الوضع لأن “ما يحصل لا يخدم القضية الفلسطينية على الإطلاق ويشكل إساءة بالغة إلى الدولة اللبنانية بشكل عام وخاصة إلى مدينة صيدا التي تحتضن الأخوة الفلسطينيين، والمطلوب في المقابل أن يتعاطوا مع الدولة اللبنانية وفق قوانينها وأنظمتها والحفاظ على سلامة مواطنيها”. وشدد على وقف الاعمال العسكرية والتعاون مع الأجهزة الأمنية لمعالجة التوتر.
وفي الإطار نفسه، يرى مسؤول غربي بعد المواجهات “أن الجوّ في لبنان بات متوتراً وفي حال اضطراب، وربما حصلت خضات، لأن التسوية الإقليمية لم تنضج بعد، فالمفاوضات الأميركية الإيرانية التي ستنطلق منها التسوية الإقليمية لم تحرز أي تقدم، بسبب الخلاف حول عدد من الملفات ومنها ملف أزمة لبنان. ويتخوف المسؤول من حدث كبير في ظل الفراغ وعدم نضوج طبخة الحل، لذلك يضع ما يجري في عين الحلوة في هذا السياق ويبدي قلقه من خطورة توسع المواجهات إلى أكثر من مخيم ومنطقة بعدما كشفت تقارير أمنية عن تسلل إسلاميين من سوريا إلى المخيم ودخول دفعات كبيرة من النازحين السوريين رغم التدابير التي يتخذها الجيش على الحدود لمنع التسلل والتهريب لضبط الحدود الشرقية. ويخلص المسؤول إلى القول “لقد دخلنا في مرحلة التوتر”… فلا حلول إلا على السخن.
وفي سياق متصل، ترى أوساط قريبة من الثنائي الشيعي أنّ المساعي المبذولة على أكثر من صعيد لحل الأزمة لن تحقق أهدافها، بعد رفض الحوار من قبل المعارضة. لذلك لا تستبعد أوساط غربية أن تضم الخماسية مسؤولين أميركي وسعودي إلى مهمة لودريان على أن تترافق الخطوة مع حركة قطرية باتجاه إيران لتسهيل انتخاب رئيس وإخراج الأزمة من عنق زجاجة الصراع المحاور وتحييد لبنان عن الصراعات الدولية الإقليمية. على أن تقتصر مهمة المسؤول القطري على حمل إيران والقوى السياسية على تسهيل انتخاب الرئيس. وقد أوجز وليد جنبلاط الحل بقوله “يأتينا وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بالتزامن مع زيارة رجل “الترسيم” آموس هوكشتاين، وكلاهما صرحا بتأييدهما إنجاز الانتخابات الرئاسية. ممتاز، كيف؟ هل يمكن ترسيم حقل بعبدا يا سيد هوكشتاين؟ وهل يمكن تسهيل الانتخابات يا سيد عبد اللهيان”؟
من جهة أخرى لا يستبعد مسؤول سابق أن تستعجل معارك عين الحلوة انتخاب رئيس، كما ستضع ملف السلاح الفلسطيني وغيره على طاولة البحث لحصرية السلاح بيد الشرعية وإنهاء حال المخيمات الشاذة إضافة إلى ضبط الحدود الشرقية لمنع التسلل والتهريب، كما يقول قيادي سيادي لأن ما جرى في عين الحلوة ضربة قوية للدولة وإساءة للقضية.
َويبقى السؤال متى ينضج الاتفاق الأميركي الإيراني لحل الأزمة؟ ومتى يتم وضع الإطار لحل أزمات المنطقة والتسوية الإقليمية، وسط إصرار أطراف إقليمية على ربط حل الأزمة بحل ملفات المنطقة، ومطالبة آخرين بإكمال تنفيذ اتفاقات أبراهام للتطبيع وانتظار غيرهم لتحديد دور الدول ونفوذها، بعدما تبين أن الصراع يدور حول دور وحدود مناطق النفوذ في المنطقة.
لذدك لا بد من انتظار نتائج محطات أساسية لحل الازمة، في باريس والرياض والفاتيكان ونيويورك.. وخروج الخماسية بعد إجماع نيويورك المتوقع نهاية الشهر بخريطة طريق لحل الأزمة ضمن سلة كاملة فيشكل انتخاب الرئيس الانطلاقة للاتفاقات والتسوية في المنطقة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الغرب” يريد فصل لبنان عن غزّة | بلينكن يخفق في إقناع إسرائيل بالحل.. وهوكشتاين يستطلع أفق المرحلة لبنانياً | باسيل يعد خطّة “انقلابية” تقطع طريق انتخاب عون |