أموال المودعين إلى الواجهة مجدداً..
ترجمة “هنا لبنان”:
كتب يوسف معوض لـ “Ici Beyrouth“:
لا تمرّ فرصة دون أن تعود موجة المودعين المطالبين بأموالهم إلى الواجهة. بمناسبة وبدون مناسبة، أصوات ترتفع وجمعيات تنعقد ومودعون يكسرون ونقابات تهدد.. وكل ذلك مفهوم، ففي النهاية مدخرات حياة بأكملها على المحك. أما السياسيون فيراقبون من عليائهم هذا المد البشري الذي يتحسسون منه، ويغرقون بسجالاتهم المستمرة وينشغلون بتبادل كرة الملامة ومسؤوليات التقاعس.
كم يبعث الخلاف الأخير بين واقع ما يسمى “خطة الإنعاش” ورئيس اللجنة المالية البرلمانية على الضحك! أما وقد أثبت جميع من في السلطة إخفاقهم (هل عثر أي كان على حل حتى الساعة؟) بدت هذه المشادة الأخيرة أشبه بمسرحية قدح متبادل وهزلي. يتساءل أحدهم: “كم هي درجة فشلك؟ في فشلي المرارة ولكن كل شيء نسبي”. فيجيب الآخر مضطرباً: “ولكن…لا فشل أكبر من فشلي أنا. هو الأكثر اعتيادية ولم يتغير منذ سنوات، أنا على يقين!”، وهكذا دواليك.
في كل الأحوال، فلنترك هذه المشادات وراءنا ولننظر في السيناريوهات المحتملة لمصير هذه الودائع، مع الإشارة إلى أن حجمها يقارب 92 مليار دولار، باستثناء الموجودات بالليرة اللبنانية والتي لا تمثل مشكلة، مع أنها ما عادت تساوي شيئاً. أما الاعتمادات المتبقية من العملات الأجنبية فهي بحدود 8 أو 9 مليارات دولار، وبالتالي لا تكفي لتعويض أي شيء، على افتراض أن جميعها تمت تسويتها بالدولار “الفريش”. فماذا بإمكاننا أن نفعل؟
1- السيناريو الوهمي الأول، هو اصطفاف الدولة ومصرف لبنان، وهما يدينان بالكثير من الأموال للمودعين، من أجل تعويض هؤلاء. ولكن بما أن الدولة والمصرف نفسه يواجهون الإفلاس، فلا طائل من انتظار غودو!
وعلى افتراض أن فكرة إنشاء صندوق يجمع أصول الدولة تحقق مكاسب كبيرة، من الممكن توليد الدخل لتغطية جزء من الودائع. وبينما يبدو أن العديد من الأقطاب السياسية تؤيد هذا الحل، يبقى الثنائي الشيعي غير معني بالطبع، إلا في حال تأكد من حصوله على نصيب متكافئ مع درجة تدخلاته. أما في حال انطوت الفكرة على المشاركة التقليدية، فستفسد الحصص فوراً.
2- يستمر استبدال “لولارات” المصارف بالدولار الفريش، والتي تبلغ حاليًا حوالي 15٪ من قيمتها، مما يتسبب بتقلص بعض الودائع. ولكن لا يمكن اعتماد هذه الممارسة كحل رسمي، لسبب بسيط وهو أن أي مسؤول لن يجرؤ على القيام بمثل هذه المبادرة. وسيبقى ذلك خيارًا شخصيًا واختياريًا.
3- وهناك طريقة أخرى تعتمد على إدامة التعاميم الحالية: 15000 ل.ل للدولار وفقاً للتعميم 151، و400 دولار أو 300 دولار شهرياً وفقاً للتعميم 158. ولكن يوماً ما سيتعين علينا تحسين شروط الدفع هذه، وتعديلها حسب الظروف. في هذا السياق، حددت خطة لإنعاش بعض فئات الودائع، وهي رؤية مشتركة بين القطاع الخاص: 1- الودائع التي تم تحويلها من الليرة إلى الدولار على معدل 1500 بعد تشرين الأول 2019
2- المبالغ الناتجة عن تراكم فوائد مرتفعة بشكل استثنائي.
3- ومن ثم ما خلاها من رأس المال الأساسي المودع في البداية بالدولار.
يمكننا بعد ذلك تصور تعويض هذه الفئات، بمجموعات من الدولارات “الفريش” والليرة اللبنانية مع تعديل أسعار الصرف وفقًا لهذه الفئة. على سبيل المثال، يمكن دفع 1000 دولار شهريًا، جزء منها بالدولار وجزء بالليرة اللبنانية تقسم بالشكل التالي: النصف نقدًا والنصف بالبطاقة المصرفية (بالليرة اللبنانية والدولار). وسيختلف توزيع الدولار/الليرة وسعر الصرف وتوزيع النقد/البطاقات حسب الفئة، لصالح الفئة 3. وفي حال حافظ الحاكم على كلمته، بعدم التنازل عن أي قرش للدولة يمكن لمصرف لبنان تحرير بعض السيولة. وستتبع المصارف خطاه إذا فتحت لها بعض أبواب الربح.
4- ومع ذلك، لا تتعلق المسألة أبداً بتسديد الودائع بكاملها؛ فهذا أمر سخيف ووهمي. وهذا ما يتكرر في كل سياق حيث أن المسألة تستدعي تفسيرها في كل مرة! فكروا ببساطة بأن سحب كل الودائع يعني إفراغ المصارف، وبالتالي القضاء عليها، والعودة إلى عصر قديم.
الأمر يتعلق فقط بتوفير الحد الأدنى لحياة كريمة لمن يفتقرون لأي دخل آخر. قد لا يحتاج الآخرون حتى لسحب مبلغ 1000 دولار. وفي الأصل، هكذا وجدت الحسابات الخارجية الحالية (بالدولار “الفريش”) والبالغ عددها 220 ألف حساب.
لا شك بأن مثل هذه الحلول مؤقتة بطبيعة الحال، بانتظار التوصل لحل شامل وتشكيل نظام سليم، إذا كان أي شخص لا يزال يؤمن بإمكانية ذلك. حتى أن المنظمات الدولية تبدو يائسة بشأن رفع الحظر السياسي والاقتصادي. ويتراءى لك عند قراءة تقاريرها، أن مؤلفيها قد تناولوا مضادات للقلق وقد يخيل حتى أن جان إيف لودريان تخطى الجرعة الموصوفة.
وكأن سمعتنا لا ينقصها بعض الإساءة بعد، يعود مفهوم “اللبننة” الذي استخدم عام 1985 (بحسب قاموس Le Robert) للإشارة إلى مخاطر الحرب الأهلية في بلد ما، إلى الواجهة. ولكن هذه المرة لتنبيه الدول الأخرى من خطر الإفلاس المالي والسقوط في هوة بلا قرار. لقد بلغ بنا الحظ أن ربط اسم بلدنا حتى باشتقاق نحوي بسيط بصيت ذائع: “المنحوس منحوس.. ولو علقوله فانوس”!