بين أمين معلوف ونبيه بري
الأكاديمية التي تهتم بشؤون اللغة والأدب والثقافة انتخبت ولم تعيّن سكريتيراً لها رغم أنّ عدد أعضائها لا يتجاوز الأربعين شخصاً. فيما مجلس النواب اللبناني البالغ عدد أعضائه 128 نائباً ما زال عاجزاً منذ نحو سنة عن انتخاب رئيس للجمهورية لأنّ رئيسه يريد أن يفرض رئيساً، يريد أن يتم تعيينه لا انتخابه
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
صور وانطباعات سوريالية تحتشد في مخيلتك وأنت تتلقى خبر انتخاب الكاتب والأديب والروائي اللبناني أمين معلوف أميناً عاماً دائماً للأكاديمية الفرنسية التي تعنى أساساً بصقل اللغة الفرنسية. حدث يفرض عليك مقارنة خيالية من وحي واقع الحال اللبناني نظراً لصلة القربى مع فرنسا – وهي متعددة أو كانت كذلك – بين مجلس النواب اللبناني (غير) المنهمك في انتخاب رئيس للجمهورية والأكاديمية الفرنسية التي انتخبت أميناً عاماً لها. وتكتشف أنّ أوجه الشبه معدومة أو الأصح مقلوبة، فينقلك خيالك إلى مقارنة أمين معلوف بنبيه بري وما بينهما!
إنّ هذه الأكاديمية التي تهتم بشؤون اللغة والأدب والثقافة انتخبت ولم تعيّن سكريتيراً لها رغم أنّ عدد أعضائها لا يتجاوز الأربعين شخصاً. فيما مجلس النواب اللبناني البالغ عدد أعضائه 128 نائباً ما زال عاجزاً منذ نحو سنة عن انتخاب رئيس للجمهورية لأنّ رئيسه المخضرم والزعيم السابق لميليشيا حركة أمل يريد أن يفرض رئيساً. يريد أن يتم تعيينه لا انتخابه، وإذا تعذر فعليكم ببدعة الحوار الذي هو عبارة عن تبادل للآراء والحجج في نقاش جماعي مفتوح وربما علني، أما الانتخاب فهو خيار شخصي وسري وتجسيد لحرية الاختيار في صندوق الاقتراع.
ورغم الفرق الشاسع بين المؤسستين وأهمية ودور كل منهما، فإن الأكاديمية تمارس الديموقراطية بشكل شفاف، والبرلمان اللبناني المنتخب من الشعب يتهرب رئيسه من ممارسة الديموقراطية التي هي في الأساس علة وجوده.
الاكاديمية الفرنسية تنتخب لبنانياً أصيلاً وليس مهاجراً وإنما حطّ رحاله في فرنسا صحافياً وقد أصبح في عمر السابعة والعشرين، فيما يحاول الرئيس المتربع على كرسي رئاسة مجلس النواب اللبناني منذ أكثر من ثلاثين سنة فرض رئيس لبناني بالهوية، وألّا يهرب النصاب ويعطل المجلس ويغلق أبوابه. فرنسيون عظماء، لغويون وكتاب وأدباء ومفكرون يختارون لبنانياً أميناً عاماً لهم قادماً من قرية متنية اسمها عين القبو ليشرف على تطور اللغة الفرنسية في فرنسا ومختلف أصقاع العالم، تجسيداً لحضارة التفاعل والاختلاط وتعدد الثقافات والهويات التي كتب عنها معلوف اللبناني-العربي-الفرنسي، فيما يراد فصلنا عن بيئتنا ومحيطنا وثقافتنا العربية، وعن حضارة العالم، وإلحاقنا بركب المشروع الفارسي وبولاية الفقيه. فأين تصبح عندها المقارنة المتخيلة؟
غير أن المفارقة الأخرى والمثيرة تكمن أيضاً وبالتوازي بين ما يمارسه رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون المنتخب ديموقراطياً للمرة الثانية من قبل الفرنسيين، والذي تحكم إدارته للدولة وسياستها دستور ومجموعة نظم وقوانين ومؤسسات بدءاً من البرلمان ثم الحكومة التي تخضع لقوانين اللعبة الديموقراطية بين موالاة ومعارضة، فيما الرئيس الفرنسي نفسه الذي يحب لبنان كثيراً يريد أن يعين له الرئيس، خلافاً للدستور اللبناني المستوحى من الدستور الفرنسي، الذي يحاول محور الممانعة فرضه لا انتخابه، أو اللجوء إلى الصفقات الإقليمية وتفرعاتها الداخلية والمذهبية، ولم تعد تصلح عندنا بنظره الممارسة الديموقراطية. أكثر من ذلك، يتحول ماكرون بسحر ساحر من داعٍ لتغيير الطبقة السياسية لحظة هبوطه في بيروت غداة تفجير مرفأ العاصمة اللبنانية في 4 آب 2020 إلى طابخ للصفقات مع هذه الطبقة، وتحديداً مع رأس حربتها “حزب الله” وربيبته إيران.
في باريس يفاوض ماكرون المعارضة ويحقق بعضاً من مطالبها أما في بيروت فلا وجود للمعارضة بل للنفط والغاز ومن يحمي استخراجهما خارج مؤسسات الدولة وقواها الشرعية. فلماذا يتغنى ماكرون بالديموقراطية في فرنسا وأوروبا، ويريد بالمقابل تسويق النظام البعثي عندنا وتأمين المصالح الإيرانية؟
لماذا لا تدعونا ننتخب أمين معلوف رئيساً وإن لم يكن مارونياً، ولتعينوا أنتم نبيه بري أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية طالما أنه منصّب مدى الحياة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |