“تيار” لو يستحي من ماضيه!
باسيل الآتي للتوّ من تجربة حكم كان مؤسس تياره رئيساً للجمهورية بين عامي 2016 و2022، وهي تجربة كارثية لم يشهد لبنان مثلها منذ القدم، ألا يجب أن يكون صامتاً إلى الأبد؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
من غرائب السياسة في لبنان، المواقف التي يعلنها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. فهو، ومن أسابيع، يطلق المواقف تلو المواقف، فيبدو معها وكأنه “شريف مكة”، وكل خصومه باستثناء “حزب الله” ، لم يحظوا بـ “شرف الطهارة” التي يتمتع بها “التيار”!
ربما يكون هناك مبرر، أن يقول باسيل أو سواه ما يريد قوله، لو أنّ حاضره يشفع له بذلك. لكن باسيل الآتي للتوّ من تجربة حكم كان مؤسس تياره رئيساً للجمهورية بين عامي 2016 و2022، وهي تجربة كارثية لم يشهد لبنان مثلها منذ القدم، ألا يجب أن يكون صامتاً إلى الأبد؟
كل ما تناوله باسيل في كلمته أمس في بعلبك، وقبل ذلك في زحلة، وقبلها وقبلها على امتداد أسابيع، هي قضايا تدينه قبل أن تدين الاخرين الذي هم فعلاً في موقع الإدانة. ومن آخر العينات من النبرة العالية التي يتحدث فيها باسيل، تتعلق بتسونامي النزوح السوري. ويتصرف رئيس “التيار” في هذا السياق، وكأن هذه الأزمة الخطيرة التي تهدد الكيان اللبناني، بدأت في الأول من تشرين الثاني الماضي، أي في اليوم الأول لانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. علماً أنّ الأعوام الست التي أمضاها عون في قصر بعبدا كانت أعوام النزوح السوري من دون توقف حتى بلغ عدد هؤلاء رقماً مخيفاً يقارب نصف عدد سكان لبنان.
أي عندما كان “التيار” في الحكم لكي يقوم بأبسط واجباته بفضل “المرشد”، أي “حزب الله” الذي أوصله إلى سدة الرئاسة الأولى، ألم يستطع أن يوقف على الأقل تدفق النازحين السوريين على لبنان؟ أما كان باستطاعة “الرئيس القوي”، كما كان يتشدق “التيار” ولا يزال، أن يطلب من حليفه الإقليمي، بشار الأسد، أن يوقف تدفق سكان سوريا على لبنان البلد المغلوب على أمره في هذا الإقليم؟
وعلى رغم فداحة هذا الهذيان السياسي الذي يمعن فيه باسيل، إلّا أنه ذهب إلى ما هو أفدح من خلال التصويب على الجيش قائداً ومؤسسة. حتى وصل به الأمر إلى التشهير بالجيش بطريقة لم يفعلها أحد من قبل، وذلك بقوله: “نتكلم عن أفراد وقادة فيه متواطئين سياسياً ومستفيدين مادياً من شبكات التهريب”، والمقصود هنا دخول النازحين السوريين غير المشروع إلى لبنان. وهنا لا يتعلق الأمر بصحة مزاعم باسيل أو عدم صحتها، وإنما، يتصل بالمؤسسة العسكرية التي أصبحت الملاذ الأخير للدولة التي تقاوم كل يوم ابتلاعها من الدويلة. أين القضاء الذي يأخذ على عاتقه تبيان الحق من الباطل في اتهامات باسيل؟ وأين هذا القضاء من التحرك قبل كل شيء في مواجهة هذا التشهير بالمؤسسة الوطنية، وهو تشهير يرتقي إلى مستوى الخيانة؟
كل ما قاله باسيل منذ أسابيع ولا يزال يقوله حتى الآن، ينطبق عليه، ما هو مشهور في القانون الأميركي. فهناك عندما يجري توقيف متهم، يقول له الشرطي: “إلزم الصمت، كي لا يستخدم ما تقوله ضدك”. لكن ما يجري في الولايات المتحدة مختلف كلياً عن لبنان. هنا، ليس هناك من تحرك ليقول لباسيل: “في ما تقوله عن الفساد، هناك تهمة ما زالت موجهة ضدك في العقوبات الاميركية التي أنزلت بك. وما تقوله عن الأزمة المالية، فأنت شريك كبير فيها من خلال إبقاء الأمور على ما هي عليه طوال عهد ميشال عون الذي وضع توقيعه مراراَ فيها. ما تقوله عن القضاء، فعهد مؤسس “التيار” كان في طليعة من شلّ القضاء في أخطر قضية عرفها العالم ألا وهي تفجير مرفأ بيروت”.
اللائحة تطول وتطول. وإذا كانت هناك من “حسنة” يمكن الكلام عنها، فهي أنّ “التيار” و”الحزب” لم يلتقيا بعد في إبرام “تفاهم” يتعلق بالانتخابات الرئاسية العالقة في عنق “الثنائي” الذي لا يريد إطلاق سراح هذا الاستحقاق لغاية في نفس طهران التي لا تريد أن تترك ورقة لبنان خارج لعبة الأمم.
ما يجب العودة إليه في مواقف باسيل، هو قوله أمس: “المطلوب رئيس تاريخه يضيء على مستقبله، لا يستحي حاضره من ماضيه؛ ورئيس لا نستحي من أولادنا بانتخابه. رئيس نتّفق كلّنا معه على أولويّاته الرئاسية. غير هيك أي رئيس، ولو نجح انتخابياً، سيفشل رئاسياً ونحن لسنا مستعدّين أن نكون جزءاً من فشله”.
هل كانت هذه مواصفات الرئيس المؤسس لـ “التيار”؟ كل شواهد زمن البؤس اللبناني تنفي ذلك؟ ألا يجدر بباسيل أن يصمت؟ فعلاً، “اللي استحوا ماتوا”!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |