كيف سينعكس “طوفان الأقصى” على لبنان؟
أسئلة كثيرة ستبقى رهن ما ستؤول إليه التطورات والتحولات الإستراتيجية وسط إرباك كبير تعيشه المنطقة ولبنان على وقع الطوفان الذي ستتغير معه الجغرافية السياسية على غرار التغيير المناخي الحاصل
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
فيما كان التخوف والقلق يسيطر على منطقة الشرق الأوسط من حدوث الزلازل والطوفانات بسبب التغيرات المناخية، تفاجأ الجميع بزلزال من نوع آخر ضرب إسرائيل وتمثل بعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة.
هذا الزلزال الذي ألقى بظلاله على المنطقة برمتها لن يسلم لبنان من هزاته الإرتدادية والتي بدأت في مزارع شبعا عبر إعلان حزب الله مسؤوليته عن هجوم على ثلاثة مواقع للإحتلال في مزارع شبعا ليرد العدو الإسرائيلي بقصف المناطق المحيطة ويستغل الوضع الراهن لإزالة الخيمة التي كان الحزب قد نصبها وشكلت تخوفاً أممياً من دورها وطريقة استعمالها، إلّا أنّ حزب الله أعاد نصب خيمة جديدة.
السؤال الأبرز الذي يطرح اليوم هل نحن أمام تغيير في قواعد الاشتباك وسيناريو مماثل لما حدث في العام 2006 في لبنان؟ وهل ما جرى في منطقة غلاف غزة قد حصل بقرار إقليمي ودولي له علاقة بمصالح بعض الدول كالصين وروسيا أم أنّ عملية حماس ستبقى محدودة فلسطينياً؟
مصادر سياسية متابعة للتطورات أشارت لموقع “هنا لبنان” أنّ الناس يدها على الزناد والحزب على الرغم من العملية البسيطة في مزارع شبعا يتابع ويراقب التطورات وسط جهوزية عالية لعناصره عند الحدود الجنوبية وفي الداخل لا سيما لوحدة “الرضوان” أو وحدة النخبة والقوة المركزية للحزب.
ورداً على سؤال حول تأثير عملية طوفان الأقصى على لبنان عسكرياً وسياسياً؟ لفتت المصادر إلى أن ما حصل سيغير الكثير من وجه المنطقة رابطة بين العملية العسكرية في غلاف غزة ومسألة التطبيع، واعتبرت أنّ الأوضاع لن تستتب من أجل التطبيع السريع والسهل وصولاً إلى السلام مع إسرائيل لأنه سيكون على حساب الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أنّ إيران لاعب أساسي على الساحة الفلسطينية ولا يمكن لأحد الذهاب إلى اتفاقات التطبيع من دونها، والحرب قد تكون مفتاح الحل لوضع الأمور على السكة الصحيحة في الداخل اللبناني وأبرزها الملف الرئاسي المتعثر والذي يشهد جموداً كبيراً، لكن التطورات على الجبهة القتالية وتأثيرها على الإنتخابات الأميركية ومصالح الولايات المتحدة المتعلقة بالغاز في لبنان وتعثر حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تغير المعادلة.
وانطلاقاً مما تقدم لا يزال الدور الإيراني في عملية طوفان الأقصى غير واضح حتى الساعة، إلا أن الباحث وأستاذ العلاقات الدولية والديبلوماسية النائب الدكتور سليم الصايغ أكد لموقع “هنا لبنان” أنّ ما حصل في عملية غزة زلزال فعلي وكان اللافت العنصر الجديد في كيفية التوغل عبر طرق جديدة مثل الباراشوت، لكن السؤال الأبرز يدور حول كيفية تدريب ألف مقاتل وأين، وكيف تم تهريب آلاف الصواريخ التي أطلقت بحرفية؟ وهل التدريب كان في لبنان وسوريا وما علاقة مصر والأنفاق بكل ذلك؟
أسئلة قد يكون الجواب عليها عبر ما صرح به الحاج حسن حب الله مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله في مقابلة مع وكالة سبوتنيك من أن “كتيبة فلسطينية مكونة من عناصر قتالية نخبوية منتقاة من فصائل مقاومة موجودة في سوريا ولبنان والضفة والقطاع تحمل إسم “أحرار الجليل” يجري تدريبها وتسليحها حالياً وعلى أعلى المستويات لتكون توأم كتائب الرضوان في “حزب الله”.
ويعلق الصايغ: “نحن أمام حدث سيؤدي إلى تجميع الأوراق وتثبيتها أمام اللاعبين الكبار لا سيما السعودية وإيران وعلينا المراقبة بشدة لمدى التعاطف الفلسطيني مع عملية حماس في كل من الضفة ورام الله والقدس والحدود الإسرائيلية مع العرب وذلك في ظل دعوة حركة حماس كل العرب وفلسطينيي الداخل والحركات المقاومة ومنها حزب الله للنزول إلى الشارع. وإذا انتشر الأمر كبقعة الزيت قد تنتقل السلطة الفلسطينية إلى حماس وذلك في إطار الصراع على السلطة الفلسطينية المترنحة وستتحدث حماس بذلك باسم الشعب الفلسطيني”. مضيفًا “نحن أمام إعادة تشكيل للساحة الفلسطينية إنطلاقاً من الإنجاز العسكري والمعنوي”، رابطاً الأمر بانعكاسه على المخيمات الفلسطينية في لبنان. واعتبر أنّ ما حصل في مخيم عين الحلوة كان من أجل انخراط السلطة الفلسطينية وتوحيد الصفوف والقوات والسيطرة على الورقة الفلسطينية إلّا أنّ الجهود ضربت في عين الحلوة نظراً لعدم الحضور الإيراني. فيما اليوم فإن هذا الدور عاد مجدداً لأنه من المستحيل على حماس أن تقوم بما قامت به في غلاف غزة من دون دعم استخباراتي كبير من إيران وروسيا”. لكن وبحسب الصايغ هل ستكون حماس قادرة على توحيد الداخل مما سيؤثر بدوره على وضع المخيمات وانحيازها إلى جانب حزب الله.
وعلى صعيد الملف الرئاسي الذي لا يحمل أي معطى جديد اعتبر الصايغ أنّ “الحل يكمن إما في الدخول إلى الحوار بشكل سريع لتخليص البلد من التطورات الحاصلة لأن الشغور لا يحمي أحداً، إما أن نبقى في حقل كباش سيؤدي إلى تدمير لبنان”، مشيراً إلى أنّ ملء الشغور في سدة الرئاسة هو انتصار لكل لبنان.
من جهته، اعتبر رئيس منتدى التكامل الإقليمي والباحث السياسي سعد محيو في حديث لموقعنا أن مسألة التطبيع العربي مع إسرائيل فرضت نفسها على المعركة الدائرة في غلاف غزة، متسائلاً: هل إيران تدعم حرب غزة وهي وحدها من يعارض التطبيع؟ وأين دور روسيا والصين ومصر وتركيا من احتمال تحول حرب غزة إلى حرب إقليمية؟
وقال إن فتح هذه الجبهة ضد حلفاء أميركا يعتبر رداً استراتيجياً قويا على الورطة الغربية لروسيا في أوكرانيا، وعلى التهديدات الأميركية للصين معتبراً أن الترابط والتشابك موجود وبقوة في عصر العولمة والسوق الاقتصادي الواحد لافتاً إلى عدم إمكانية بناء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد من قبل واشنطن والرياض وتل أبيب من دون المثلث التاريخي الذهبي في الإقليم أي مصر وتركيا وإيران وردود فعله المحتملة.
أسئلة كثيرة ستبقى رهن ما ستؤول إليه التطورات والتحولات الإستراتيجية وسط إرباك كبير تعيشه المنطقة ولبنان على وقع الطوفان الذي ستتغير معه الجغرافية السياسية على غرار التغيير المناخي الحاصل.