ماذا يمنع سقوط الصواريخ على بيروت؟
يظهر الحزب كرادع يستخدم مرة واحدة، وهو ردع يمكن أن يسبب أضراراً جسيمة لإسرائيل والولايات المتحدة، ولكن لا يمكن استخدامه إلّا مرة واحدة قبل أن يحتاج إلى وقت كبير لاستعادة قوته..
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
منذ بدء اشتعال جبهة الجنوب، في وقت واحد تقريباً مع شقيقتها غزة في السابع من الشهر الجاري، ساد اعتقاد ولا يزال، أنّ “حزب الله” نجح في إرساء ما يسمى “قواعد الاشتباك الجديدة”. وبموجب هذه “القواعد” سيبقى إطلاق النار بين “الحزب” وإسرائيل محصوراً في نطاق ضيق. فعلى امتداد الحدود بين لبنان وإسرائيل من ساحل البحر في منطقة الناقورة غرباً وصولاً إلى مرتفعات شبعا شرقاً، دارت المواجهات ولا تزال في شريط ضيق عرضه قرابة الكيلومترين تقريباً على كل من جانبي الحدود في لبنان وإسرائيل. وخيّل للجميع أنّ هذا الشريط الحدودي الضيّق هو فعلاً ساحة المواجهة انطلاقاً من الوقائع الميدانية على مدى ثلاثة أسابيع تقريباً. لكن المشهد فجأة تبدل يوم السبت الماضي، وهو ما يجب الوقوف عنده مليًّا.
في هذا اليوم، تحدثت المعلومات الرسمية في لبنان “أنّ مسيّرة معادية نفذت ٣ غارات استهدفت تلة الأميركان ومنطقة مفتوحة في جبل صافي في منطقة إقليم التفاح”. وهذا يعني، أنّ المنطقة التي استهدفتها المسيّرة الإسرائيلية تقع على بعد 20 كيلومترًا تقريباً من الحدود الجنوبية، ما يتجاوز مدينة صور ويقترب من مدينة صيدا. لم يتحدث الجانبان المتحاربان أي “حزب الله” وإسرائيل كفاية عن هذا التوسع الكبير نسبياً في رقعة المواجهات. وهذا التوسع في مساحة الميدان، يعني أنه يتجاوز منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) التي تبدأ شمالاً من نهر الليطاني وصولاً إلى الخط الأزرق الذي يمثل الحدود اللبنانية الإسرائيلية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الصادر بعد حرب تموز عام 2006.
ما يعنيه هذا التطور الميداني، أن حدود المواجهات بين “الحزب” والدولة العبرية أصبحت مطاطة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولو أنّ ليس من بينها حالياً احتمال حرب على غرار حرب غزة الناشبة حالياً. ومن الشواهد على لا شيء يحول دون توسع رقعة تبادل النار، المواقف التي يدلي بها يومياً قادة “الحزب” على المستويات كافة باستثناء الأمين العام لـ “الحزب” حسن نصرالله حتى إعداد هذا المقال. ومن نماذج هذه المواقف آخر تصريحات رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، خلال مراسم تشييع أحد ضحايا “الحزب” عندما قال: “هذه المعركة قد تطول وقد يسودها هدنات وقد تطرح اقتراحات لمبادلة أسرى ورهائن. ونحن في لبنان نملِك الجهوزية الكاملة”.
لكن عضو كتلة “الحزب” النائب حسن عز الدين، فاته هذا التطور الجديد في توسع رقعة المواجهات، عندما كان يتكلم في تشييع عنصر آخر في وقت سابق. فهو قال: “المقاومة ستبقى تقوم بواجبها على امتداد مواقع العدو الممتدة من الناقورة إلى مزارع شبعا”.
ما هو مثير للاهتمام في ظل هذا التدهور المتدحرج أمنياً، أنّ المرجعية الدولية للحفاظ على الأمن في الجنوب، أي قوات (اليونيفيل)، صارت مستباحة في عقر دارها. فللمرة الثانية خلال أيام، تعرض مقر قيادة هذه القوات في الناقورة السبت الماضي للقصف المباشر واقتصرت الأضرار على الماديات. واكتفى الناطق الرسمي باسم هذه القوات أندريا تيننتي بالقول: “نعمل على التأكد من مصدر الهجوم”.
كيف تبدو الصورة من منظور استراتيجي؟ في تقرير تلفزيوني كتبت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلي، جاء في عنوانه: “لماذا لم تطلب إيران من حزب الله مساعدة حماس حتى الآن”؟ وجاء فيه: “دار بالفعل الكثير من النقاش حول ما إذا كان “حزب الله” سينضم إلى الحرب لمساعدة “حماس”، مع استنتاجات تتراوح من المشاركة الكاملة، إلى الدعم الجزئي، إلى عدم وجود دعم على الإطلاق”.
يضيف التقرير أنّ “حزب الله” هو أيضاً “حزب سياسي داخل لبنان، وكان قانونياً جزءاً من الحكومة اللبنانية منذ عام 2005. حالياً، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة، والحرب مع إسرائيل لن تؤدي إلا إلى تعميق هذه الأزمة”.
واستنتج التقرير “أن حزب الله، يفضّل أن يظل قوياً سياسياً ومحبوباً من قبل الجمهور اللبناني، بدلاً من إثارة توترات داخلية متزايدة داخل لبنان. أما العامل التالي فهو مكانة الحزب في الاستراتيجية الإيرانية. إذاً يعمل حزب الله كمحور مهم للاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط مع ترسانته الواسعة من الأسلحة التي تشكل تهديداً كبيرا لإسرائيل”.
ويتابع التقرير :”هذا يظهر حزب الله كرادع يستخدم مرة واحدة، وهو ردع يمكن أن يسبب أضراراً جسيمة لإسرائيل والولايات المتحدة، ولكن لا يمكن استخدامه إلا مرة واحدة قبل أن يحتاج إلى وقت كبير لاستعادة قوته. ومن شأن استخدام هذا الرادع بشأن الصراع في غزة أن يترك إيران عرضة للانتقام من الولايات المتحدة، ما ينفي السبب الدقيق للحفاظ على “حزب الله” في المقام الأول.
وخلص التقرير الى القول: “إنّ إيران لا تستطيع تحمل خسارة حزب الله”.
بصرف النظر عن هذا التقرير الذي يبدو مشابهاً لكثير من التقارير الإعلامية الصادر أخيراً في الصحافة الإعلامية، لا بدّ من التبصر في إمكان توسع رقعة المواجهات الدائرة بين “حزب الله” وإسرائيل. فمن ناحية إسرائيل، صارت حالياً معتادة على أن تتعرض تل أبيب للقصف من قطاع غزة. فهل يمكن لـ “حزب الله” أن يقدم تأكيداً أنّ بيروت التي تماثل تل أبيب، ستكون بمنأى عن هذه المواجهات التي يبدو أنها ستطول؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
فخامة بري ودولة “الحزب” | تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران |