الحرب الإعلامية.. الجانب الخفي لحرب إسرائيل وحماس (2/1)
كتب Malo Pinatel لـThis Is Beirut:
بعيداً عن ساحة المعركة، تشتعل الحرب بين إسرائيل وحماس على الجبهة الإعلامية في ظل حملات الدعاية والتضليل والتطرف في الآراء. ولا يوفر أيٌّ من الجانبين أيّ تكتيكات من أجل حشد الرأي العام لصالح قضيتهما… وغالباً ما يكون ذلك على حساب الواقع والعقلانية.
فهل تفوز حماس بالحرب الإعلامية؟
بعدما أطلقت حماس الاثنين 23 تشرين الأول سراح رهينتين إسرائيليتين، استهلت إحدى الرهائن وتدعى يوشيفيد ليفشيتز مقابلتها مع “بي بي سي”، بالقول إنها “عاشت الجحيم” أثناء اختطافها. ولكن سرعان ما طغت على هذه الكلمات الأولية، عبارات الرهينة المفرج عنها عن المعاملة “المهذبة” التي تلقتها أثناء أسرها. وقالت ليفشيتز أنها حصلت على رعاية طبية وعلى الغذاء بشكل صحيح. كما أن الصور الأولى التي نشرت بعد إطلاق سراح الرهينة أظهرتها وهي تصافح مقاتلي حماس.. وتلك لفتة هادئة تحمل مغزى كبيراً.
حرب الإعلام
وفي الوقت الذي ركزت معظم وسائل الإعلام الغربية على الجزء الأول من هذه المقابلة، فضل العديد من أنصار القضية الفلسطينية تسليط الضوء على الجزء الثاني. ذلك أن السيدة ليفشيتز، من خلال تقديم آسريها بطريقة أكثر إنسانية، حسنت عن غير قصد صورة حماس. الأمر الذي يتناقض مع خطاب المسؤولين الإسرائيليين الذين يسعون لمساواة حماس بالجماعات الإرهابية مثل داعش. وعلى هذا النحو، سمحت تلك الرهينة الإسرائيلية (85 عامًا) بشكل غير مباشر للتنظيم الإسلامية المدعوم من إيران بتحقيق النصر في ساحة المعركة الرئيسية الأخرى التي تميز هذا الصراع، أي الصراع الإعلامي. وعلى الرغم من عدم وجود ارتباط واضح بين يوم إطلاق سراحها، إلا أنه تزامن مع مؤتمر صحفي عقده الجيش الإسرائيلي بغية الكشف عن المزيد من صور المجازر التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول.
منذ بداية الصراع، تدور حرب معلومات بين الجانبين. وأثارت صور الهجوم الأولي موجة غربية من التعاطف مع إسرائيل. ومع ذلك، سرعان ما تم الرد بقصف إسرائيلي مميت، مما تسبب بكارثة للسكان الفلسطينيين في القطاع.
استراتيجية حماس
لا بد من الإلتفات للتأثير الهائل للمحتوى الذي كشفته الكاميرات المدمجة التي زودت بها حماس مقاتليها. فلا شك بأن قادة عملية التفجير اختاروا عمداً تزويد العناصر بهذا العدد الهائل من الكاميرات، وهم مدركون تماماً أنّ السلطات الإسرائيلية ستستعيدها في نهاية الهجوم الانتحاري. وكان الهدف من محتواها تهويل السكان الإسرائيليين وحشد الدعم لأعنف عمليات انتقامية محتملة.
بالإضافة إلى ذلك، سمح ذلك لحركة حماس التي تسيطر على القطاع الفلسطيني بالاستفادة من التواصل الفعال من حيث التكلفة، فصور التفجيرات وصور الآلاف من الضحايا، التي نشرها سكان غزة مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتناقلها أنصار القضية الفلسطينية، كافية لتشويه سمعة تل أبيب عبر قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي.
ومؤخراً، كشفت حماس النقاب عن أداة دعائية جديدة تتمثل في الرهائن الذين تعرضوا للأسر خلال الهجوم الأولي. ففي مقطع فيديو نشر الاثنين 30 أكتوبر، اتهمت ثلاث نساء تم تقديمهن كأسيرات إسرائيليات، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتجاهل الرهائن وحملنه المسؤولية عن أحداث 7 تشرين الأول.
على الرغم من ترجيح فرضية إملاء هذه الكلمات على الرهينات الثلاث، إلا أنها تساعد في تغذية الرواية التي تحمل نتنياهو وحده مسؤولية الوضع. ويعزز هذا أيضًا بشكل غير مباشر، خطاب حماس التي تقدم نفسها كضحية في مواجهة القصف الإسرائيلي، على حساب المدنيين في غزة.
وأخيراً، تضيف لعبة الإعلام والتواصل، بعيداً عن الرأي العام الإسرائيلي والدولي، نقطة لحماس في الداخل الفلسطيني. فمن خلال شن حماس عملية واسع النطاق ضد إسرائيل، تحاول ترسيخ نفسها باعتبارها الفاعل السياسي الوحيد المؤهل لقيادة المعركة. وهذا هو الحال في الغالب عند مقارنتها بحركة فتح التي يتزعمها محمود عباس، والتي تتولى السلطة في الضفة الغربية وتعتبر “فاسدة”.
استراتيجية حكومة نتنياهو
ومن ناحية أخرى، تستفيد حكومة نتنياهو أيضاً من موجة الصور التي التقطت في السابع من تشرين الأول، من أجل تجييش الرأي العام الإسرائيلي ودفعه للتعاطف بشكل أكبر مع الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ البلاد. وفي هذا السياق، لم يتردد بعض القادة السياسيين في استخدام الكلمات والتدابير التي تشجع تصعيد العنف. وهذه هي حالة وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، على وجه الخصوص، الذي عمد من خلال استخدام مصطلحات غير إنسانية، لدفع جزء من الإسرائيليين لتقبل جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، تستخدم تل أبيب موارد كبيرة لتغذية آلية حربها الإعلامية. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك الحملة الإعلانية الدعائية ضد حماس، التي نشرتها وزارة خارجيتها على وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الهاتف المحمول، والتي تسلط الضوء على المذابح التي ارتكبتها الحركة الإسلامية الفلسطينية. كما أن بعض مقاطع الفيديو، وضعت الحركة في محط مقارنة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وتشير التقديرات وفقاً لصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية إلى أن الحملة الإعلانية المناهضة لحماس كلفت عدة ملايين من الدولارات، واستهدفت على وجه التحديد منصات مثل “تويتر” (إكس حالياً) و”يوتيوب” بالإضافة إلى اللعبة الشهيرة كاندي كراش. والهدف الواضح هو تحريك المشاعر وحشد الدعم الشبابي في بعض البلدان لصالح السياسات الإسرائيلية.
وبهذا المعنى، تختلف حملة تل أبيب عن حملة خصمها. وهي تعتمد على استراتيجية ذات اسم دقيق: “Hasbara” بالعبرية والتي تعني استراتيجية الإعلام التي تروج لها وزارتا الدفاع والخارجية الإسرائيليتان والتي قد تتخذ أشكالاً عديدة: حملات إعلامية مؤثرة، وبث مقاطع فيديو دعائية عسكرية من قبل الجيش الإسرائيلي، وتبرير الأفعال على لسان الخبراء، وبالطبع المقاطع الإعلانية.
وبينما تسعى حماس لتصوير نفسها كضحية لرد فعل حكومة نتنياهو، تركز هذه الأخيرة بشكل أكبر على إضفاء الشرعية على ردها العسكري من خلال الإعلام. وفي هذا السياق، سنتوقف في جزء ثانٍ من المقال عند المعلومات المضللة وحرية الصحافة ودور الشبكات الاجتماعية.
مواضيع ذات صلة :
مسؤول لبناني يكشف لـ”رويترز” أبرز تعديلات لبنان على الورقة الأميركية | غالانت يرد على خطة إسرائيلية في غزة | لأول مرّة.. استهداف مجرى نهر الليطاني بمناطق البقاع الغربي |