عن متلازمة الشركات العائلية
ترجمة “هنا لبنان”
كتب نيكولا صبيح لـ”This is beirut“:
ما هو مصير الشركات العائلية وسط المعمعة الحالية؟ يفترض بهذا السؤال أولاً التوقف عند بعض تفرعاته الموجهة لأصحاب الشركات وتحديداً العائلية منها، ومن جملة الأسئلة على سبيل المثال: “ماذا قد تفعلون حين تبلغون الـ68 من العمر وتدركون فجأة في الظروف الحالية، أن الربح السنوي لا يمكن تقسيمه على الأبناء الخمسة (ولدين وثلاثة بنات)، أو حين تتساءل هل تزوج صهرك اللطيف ابنتك الحبيبة لغاية وحيدة هي خلافتك؟ هل تستمتع عائلتك بندوة حول “التحفيز العاطفي” في برمودا بينما تكدح لمدة 12 ساعة يوميًا في العمل؟ هل يؤسفك أن ينصبّ اهتمام نجلك الأصغر على النظريات العرقية حول السكان الأصليين الأستراليين بدلاً من التركيز على أعمال أسلافك؟” في حال مرت ببالك هذه الأسئلة، فهذا يعني أنك مصاب بمتلازمة الشركات العائلية التي تدفعك للمعاناة صحياً كارتفاع ضغط الدم ومضاعفة الاجتماعات مع مستشاريك المتخصصين في “الشركات العائلية” من جامعة “هارفارد”، في محاولة للحد من الأضرار.
ومما لا شك فيه أن مسألة الشركات العائلية في لبنان، وربما في جميع أنحاء العالم، موضوع مألوف ومتواتر، حيث تعود ملكية أكثر من 90% من شركاتنا لعائلات، مع كل المزايا والعيوب التي تترافق مع هذا النوع من الملكية. وتقع هذه المسألة في صلب بحوث العديد من الاقتصاديين، لكن لماذا النظر بعيداً حين يغتني لبنان بالمتخصصين؟ ومن هؤلاء، جوزيان فهد سريح، الأستاذة والباحثة في الجامعة اللبنانية الأميركية ومؤسسة ومديرة معهد الأسرة وريادة الأعمال في الجامعة اللبنانية الأميركية (المرتبطة نظرياً بشركة عائلية مزدهرة، هي سوبرماركت فهد).
وتغطي مساهمتها، إلى جانب زملائها، مجموعة واسعة من القضايا الخاصة بالشركات العائلية. وعلى الرغم من أنهم حددوا مزاياها (المرونة وسرعة اتخاذ القرار، والالتزام العاطفي والمالي في أوقات الشدة، وثقافة العمل الجاد والنزاهة، والولاء الذي يبرهنه فريق عمل متماسك)، لاحظوا أيضًا مخاطر النظام الأسري (الأب الذي يرفض الاستسلام في عمر 82 عامًا، والابن الذي وجد طريقه في الموسيقى الكلاسيكية، وابن آخر يشعر بالإحباط بسبب انعدام الثقة حتى في سن الخمسين، وبنات الحموات اللواتي يتشاجرن في كل اجتماع لمكاتب الشركات العائلية، وعدم وضوح الأبعاد العائلية والمهنية وتحديات الميراث، وغيرها) ونتيجة لذلك، لا تستمر 86% من الشركات العائلية بعد الجيل الثالث. ويبلغ متوسط عمرها نحو 40 عاماً.
كل هذا ليس بجديد والعواقب تترجم بالإغلاق المفاجئ للشركات التي كانت مزدهرة في السابق، أو من خلال تشرذمها المستمر: أكثر من شركة تحمل اسم مزنر أو مكتبي أو الحلاب قد تحافظ على نفس الجودة المهنية ولكن على نطاق أصغر. وتفقد الشركات بالتوازي مع حجمها، إمكانية التوسع الدولي. ومع ذلك، تبقى العولمة أفضل طريقة لتنمية الأعمال التجارية وخلق القيمة وتنويع المخاطر، خصوصاً في بلد صغير اعتدنا أن يختبر أزمة بين حين وآخر، سواء دفاعاً عن حقوق الزولو مثلاً، أو لتمجيد سيد فارسي أو إفراغ خزينة دولة ليست دولة في الواقع.
ينتهي بك الأمر بالإعجاب بالدول الصغيرة التي أنتجت شركات عملاقة متعددة الجنسيات مثل نستله (سويسرا، 8 ملايين نسمة)، ونوكيا (فنلندا، 5 ملايين نسمة)، أو حتى شركة “هيلتي” لتصنيع المعدات (ليختنشتاين، 39 ألف نسمة)، التي تعمل في 120 دولة وتوظف 30 ألف موظف في جميع أنحاء العالم.
وطالما أنّ كل ذلك معروف بالفعل، فما الجديد الذي قد يدفعنا للكتابة عن الشركات العائلية؟ في الحقيقة، نصل في هذا الجزء إلى مرحلة حرجة من القصة. لا يخفى على أحد أنّ الهجرة زادت بشكل كبير منذ عام 2019، وخصوصاً مع جيل الشباب. الشركات العائلية ترزح تحت تأثير الأزمة، ويظهر ذلك من خلال اجتماعات “مكتب العائلة” التي يتوجب تنظيمها مثلاً، عبر تطبيق Zoom للجمع بين أربع مناطق زمنية مختلفة. وفي المرحلة التالية، سيتضاءل اهتمام الورثة الذين سينشغلون بالاتجاهات الجديدة في البلدان التي اختاروها. يسهم ذلك في اختفاء الشركات التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمن، وفقدان المعرفة المتوارثة عن الأجداد في بلد لا يملك سوى خبرات أبنائه كموارد طبيعية.
ومع ذلك، يمكن أخذ ثلاثة حلول ممكنة بعين الاعتبار:
– الحرص على تعيين رئيس تنفيذي متخصص من خارج العائلة لتطوير الأعمال نيابة عن المساهمين.
– استجلاب شريك لرأس المال من خلال بيع جزء من الشركة بشكل يتيح توسيع آفاقها. وإلا، دعوة المتخصصين للإنضمام لمجلس الإدارة.
– إدراج جزء من الأسهم في البورصة بالنسبة للشركات ذات الحجم المعين، حتى لو كانت بورصتنا بعيدة كل البعد عن تلبية المعايير الدولية، وهناك حاجة إلى محكمة خاصة ونظام جزاءات، على النحو المنصوص عليه في القانون علماً بأنه لم ينفذ مطلقًا. وهذا ما يعكس سوء الإدارة الأسطوري لدينا.
لكن كل هذا يتوقف على استعداد المؤسسين أو ورثتهم للتخلي عن غرورهم السائد في مشهد الأعمال المحلي كما يتطلب من الهيئات الرسمية الفضولية في القمة، التوقف عن الانخراط في الأحاديث التي لا تغير شيئاً في الوقت الذي تزداد فيه حياة رواد الأعمال صعوبة!