زيارة هوكشتاين حملت رسائل في اتجاهات متعددة.. والقرار 1701 هو البوصلة
رسائل متعددة أطلقها الموفد الأميركي في أكثر من اتجاه أمام من التقاهم، مفادها أنّ واشنطن تميل إلى التهدئة ولا تريد الإصطدام مع الحزب وتريد أن تبقى الأمور ضمن قواعد الإشتباك والقرار 1701
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
زيارة مقتضبة اقتصرت على يوم واحد قام بها المبعوث الأميركي وعراب اتفاق ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين إلى لبنان، لكنّ زيارته هذه المرة جاءت بصفته موفداً شخصياً من الرئيس الأميركي جو بايدن لأنه كبير مستشاريه لشؤون أمن الطاقة وكان له باعٌ طويل ونجاح غير مسبوق في مفاوضات الترسيم كما لديه خبرة ديبلوماسية ومعرفة واسعة بالسياسة والسياسيين في لبنان.
وبحسب مصادر دبلوماسية رفيعة متابعة لجولة الموفد الأميركي لموقع “هنا لبنان” فقد حضر هوكشتاين في مهمة خاصة ونقل رسالة من بايدن للمسؤولين اللبنانيين حملت جملة عناوين أبرزها:
“عدم الإنجرار للحرب وضرورة تبريد جبهة الجنوب، والطلب من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله تخفيض حدة خطابه السبت المقبل، والتمني على العالم العربي خلال قمة الرياض عدم إعطاء الغطاء لمنظمة حماس”. وذلك بعد أن عبّرت واشنطن مراراً وتكراراً ومنذ بدء الحرب في غزة عن رغبتها في تجنب توسيع نطاق الحرب لتصل إلى لبنان، واعتبرت أنّ الرئيس بايدن أوفد هوكشتاين بعد جولة وزير خارجيته أنطوني بلينكن والذي لم تحظَ دبلوماسيته بمقبولية نظراً لطروحاته المنحازة. وأشارت المصادر أن موقف بايدن الذي لا يريد الغرق في وحول الشرق الأوسط جاء بعد الرسالة التي حملها بلينكن إلى العراق لإيصالها إلى المسؤولين الإيرانيين وكانت ذات وجهين: عدم توسيع الحرب وتهديد لإيران. وهذا التهديد بحسب المصادر الذي ردت عليه إيران لم يرق للرئيس الأميركي ولبعض المسؤولين في الخارجية الأميركية الحريصين على تفادي تصاعد التوترات والمحافظة على استقرار المنطقة في ظل مواجهة بايدن لعام الإنتخابات الرئاسية وتقرير مصير الصوت المسلم، لا سيما بعد حرب غزة والتعاطف غير المسبوق مع الفلسطينيين، إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة بعدم خوض أي حرب وفرض التهدئة قبل فصل الشتاء. وأشارت المصادر نفسها أنّ هناك نقاشات في البيت الأبيض والخارجية الأميركية حيال نتائج الدخول في حرب في منطقة الشرق الأوسط في هذا التوقيت والتي قد تدخل الولايات المتحدة في مأزق كبير وقد جرى عرض لتجربة حرب العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من وصول المدمرات والغواصات الحربية إلى البحر المتوسط للقول أن البحر المتوسط “لي” في مواجهة روسيا والصين وردعهما، يسعى بايدن إلى إقناع نتنياهو بضرورة فرض التهدئة ووقف إطلاق النار والقبول بهدنة إنسانية وهو ما تعارضه إسرائيل.
وبعد شهر من الحرب والتصعيد الذي خرق القرار 1701 والخروج عن قواعد الإشتباك بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله جنوباً دعا هوكشتاين إلى ضرورة عودة الهدوء إلى الجنوب، إذ أكد من عين التينة بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الولايات المتحدة لا تريد أن ترى النزاع في غزة يتصاعد ويتوسع في لبنان مشدداً على أهمية الإلتزام بالقرار 1701 وتنفيذه والذي يعتبر خطوة مهمة لمنع انتقال النزاعات إلى الأراضي اللبنانية.
وأكدت مصادر مقربة من عين التينة لموقع “هنا لبنان” أنّ الرئيس بري أكد لضيفه “أننا غير معنيين بهذا الكلام وعليكم كولايات متحدة توجيهه للجيش الإسرائيلي الذي يعتدي على المدنيين والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف على الأرض اللبنانية وردعه عن توسيع اعتداءاته المتكررة”. فردّ هوكشتاين بأنّ بلاده لا تريد الاصطدام مع لبنان وتريد أن تبقى الأمور ضمن قواعد الاشتباك في الوقت الراهن وتنفيذ القرار 1701. وأشار أمام الصحافيين إلى أنّ عودة الهدوء إلى الحدود الجنوبية أمر بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، ويفترض أن يكون أهم أولويات لبنان وإسرائيل على حد سواء”.
وكما في عين التينة كان كلام هوكشتاين في السراي الحكومي حيث التقى الرئيس نجيب ميقاتي مؤكداً على ضرورة عدم الإنجرار للحرب ودعوة جميع الأطراف لإحترام القرار 1701 وتنفيذه كاملاً إضافة إلى البحث في سبل التوصل إلى هدنة إنسانية في غزة قبل الإنتقال إلى مراحل الحل الأخرى. وقد أكدت مصادر السراي لموقع “هنا لبنان” أنّ هوكشتاين شدد على عدم توقف الولايات المتحدة عن دعم الجيش اللبناني وأنّ له كل الثقة بالمؤسسة العسكرية في حماية أمن واستقرار لبنان من دون طرح ملف الاستحقاق الرئاسي أو دعم وصول العماد جوزيف عون لسدة الرئاسة كما أنّ دعم المؤسسات الأمنية ظهر كذلك في الإتصال بين هوكشتاين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري حيث شكره على الجهود التي يقوم بها ناقلاً إشادة من البيت الأبيض لدور الأمن العام اللبناني على أكثر من صعيد.
وفي ما يتعلق بالقرار 1701، فإنّ هوكشتاين بحسب المصادر أرسل إشارات واضحة بأنّ هناك إمكانية لتعديل آلية تنفيذه لا سيما خلال الإجتماع الذي سيعقد في 22 تشرين الثاني الجاري في نيويورك والذي أبلغت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا الرئيس ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب بحيثياته. فيما أكد بيان السفارة الأميركية في لبنان على أنّ هوكشتاين ذكّر جميع المحاورين بأنّ القرار 1701 هو أفضل آلية لتحقيق هدف استعادة الهدوء في الجنوب.
إذاً رسائل متعددة أطلقها الموفد الأميركي في أكثر من اتجاه أمام من إلتقاهم لا سيما اللواء عباس ابراهيم الذي يقوم بوساطة في موضوع الرهائن، وتشير مصادر متابعة للّقاء أنّ هوكشتاين عرض لسبل تحييد لبنان عن الصراع في غزة وحمله رسالة لحزب الله مفادها ضرورة خفض حدة خطاب السيد نصرالله بعد أن قام بخطابه السابق بتهديد الولايات المتحدة ومصالحها، مشيراً إلى أنّ واشنطن تميل إلى التهدئة ولا تريد الإصطدام مع حزب الله وتريد أن تبقى الأمور ضمن قواعد الاشتباك والقرار 1701. كما أكد هوكشتاين لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب على ضرورة إبعاد الحرب عن لبنان والحفاظ على الإستقرار والأمن.
زيارة التهدئة التي قام بها هوكشتاين للبنان ستتظهر نتائجها خلال الأيام القليلة المقبلة لا سيما أنها تزامنت مع قمة مجموعة الدول السبع والإجتماعات والمشاورات في قطر ومسقط ومصر وأتت على بعد أيام قليلة من قمة الرياض التي قد تحمل معها هدنة إنسانية ومساعٍ للتهدئة تخفف بعضاً من الضغط الحاصل على الجبهات في غزة ولبنان.