حربٌ يجب تفاديها في لبنان
كتب ديفيد هيل لـ”This Is Beirut”:
تأسست جمهورية لبنان على أساس الميثاق الوطني الذي دعا إلى الحياد، وهو مبدأ حكيم كان ليجنّب لبنان مآسٍ كبيرة. ولكنه مع الأسف نادرًا ما كان يطبّق، ومع ذلك يبقى أساسيًا خصوصًا في الظروف الحالية حيث تتمظهر مأساة إسرائيلية – فلسطينية جديدة، مدفوعة بالمنطق الإيراني. ولذلك، أدعو أصدقائي اللّبنانيين على إعادة النظر في القيمة الجوهرية للحياد، أو على الأقل النأي بالنفس.
لا يخفى على أحد أن حزب الله يتحكّم بالساحة اللبنانية، وإن فات أحدهم ذلك فليس عليه سوى إنعاش ذاكرته بخطاب نصر الله في 3 تشرين الثاني 2023. فعلى خلاف خطاباته السابقة، لم يتظاهر نصر الله في خطابه الأخير بوجود دولة أو حكومة في لبنان، أو حتى أيّ آمر ناهٍ باستثناء النظام الإيراني. ولم يتوانَ عن الإعلان عن نية الحزب خوض الحرب ضد إسرائيل، مع الإشارة إلى أن الأمر مسألة وقت فقط.
فهل استشار نصر الله وطهران اللبنانيين قبل اتخاذ قرارات الموت والحياة نيابة عنهم؟ بالطبع لا! كما أنّ نصر الله لم يعد الشخص الحذر والذي يحتسب خطواته كما في السابق، ببساطة هو لم يعد مسؤولاً حتى عن قرارات الحزب التكتيكية، فطهران تتحكّم بكل شيء.
وما تقدّم لا يعني أنَ مشاعر الحزن والتأثر والغضب والإحباط لا تعتري الملايين من اللبنانيين حول مصير المدنيين الأبرياء العالقين في هذه الحرب أو حول فشل عملية تحقيق السلام بينهما. لا بل على العكس وأكثر.
لكن الشعب اللبناني، تماماً كالفلسطينيين، لطالما كان ضحية لهذا الصراع المستمر منذ أجيال، دون أن يكون له دور فاعل فيه على الإطلاق. وقد وقف الزعماء اللبنانيون بعيدًا عن سلسلة الصراعات الإسرائيلية – العربية في الأعوام 1948-1949 و1956 و1967 و1973، لأسباب تتعلق بالانقسامات فيما بينهم. ولكن، ولسوء الحظ تحوّل لبنان لاحقاً لمركز لهذا الصراع، لأنّه كان يخدم ببساطة مصالح الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين.
وقد قدّم الغزو الإسرائيلي للبنان سابقاً تبريراً لهذا المشروع، ولكن بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000، لم يعد للمقاومة ما يبرّر وجودها سوى الوضع غير الطبيعي في مزارع شبعا والتي تمتدّ على مساحة 22 كيلومترًا مربعًا. وعلى الرغم من أنّ هذا الوضع يخدم مصالح إيران وحزب الله، غير أنّه من المؤكد أنه لا يخدم المصلحة الوطنية اللبنانية، ناهيك عن المصلحة الفلسطينية. وعلى الرغم من أنّ حزب الله قد يستثمر الوضع في القدس والضفة الغربية وغزة من أجل تجنيد وتحفيز المقاتلين الشباب، يبقى من الصعوبة أن نفهم كيف أنّ النضال الذي يدعو إليه الحزب سيساعد الفلسطينيين على تقرير مصيرهم في الواقع، ناهيك عن الحفاظ على سلامة لبنان في هذه الأوقات العصيبة.
ولا يحتاج اللبنانيون بأن تذكّرهم واشنطن بالضغوط التي يرزحون تحت وطأتها. إذ مهّد انتهاك حزب الله لمبدأ الحياد اللبناني ورفضه لسياسة النأي بالنفس عن الصراع السوري لسقوط لبنان في الجحيم.
كما أنّ دفاع الحزب عن نظام الأسد أدّى إلى تدفق 1.5 مليون لاجئ سوري، فضلاً عن عدد من إرهابيي داعش إلى لبنان، ما ضاعف من حالة عدم الاستقرار في جميع أنحاء البلد. وفاقمت النخب اللبنانية الفاسدة الوضع من خلال تسبّبها بأزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة وبشلل رئاسي مضاعف خلال ست سنوات. فالدولة اللبنانية لم تكن قوية يومًا، وعانت لسنين طويلة من انهيار بسبب جهات كثيرة. ومع ذلك، ليس هناك من استفاد من هذا التآكل بقدر حزب الله.
فلماذا بحق السماء، المعاندة والتلويح بالانضمام إلى حرب إيران مع إسرائيل؟ هل من طريقة أخرى لضمان التدمير الكامل لما تبقى من لبنان؟ من اقتصاده وتسامحه وتحضره وسيادته؟
نصر الله بذاته لم يبدُ مرتاحاً للمسار الذي طرحه في خطابه في الثالث من تشرين الثاني، وظهر وكأنّه شخص يتبع لقوات أعلى منه أو من حزبه. فهل يثق لبنانيو الجنوب الذين يمثّلون قاعدة الحزب الموالية، بمسار نصر الله؟ ألا يشير انتقالهم للشمال إلى خلاف ذلك؟
لكن ما هو البديل؟ نحن ندرك جيدًا حدود هيكل الحكم في لبنان اليوم ونعلم أنّ مصير لبنان معلق بخيط رفيع. كما ندرك أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي بلغ مستويات من التدهور لا تضاهي كرامة وقدرات اللبنانيين.
ونعلم مع الأسف أنّ الخلاص لا يكمن بيد اللبنانيين. لكن، يجب ألّا يدعوا الأمور تزيد سوءاً من خلال السماح لطهران بجرّ لبنان إلى حرب بلا طائل، أشعلتها حماس بالوكالة عن إيران. فالفلسطينيون يستحقون العدالة والحكم الذاتي وقيادة أفضل، ولا يمكن للبنان المساهمة في هذه القضية من خلال الإنخراط في الحرب.
ماذا يمكن لأميركا أن تفعله؟يجب عليها التوقف عن دعم إيران ومحاولة شراء هدنة مؤقتة من خلال صفقات السلاح مقابل المال والتعليق غير الرسمي للعقوبات النفطية.
يجب التوقف عن التظاهر بإمكانية التوصل لاتفاق نووي من خلال تجاهل سلوك إيران في العواصم العربية الخمس التي تهيمن عليها، بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت – وغزة حتى هذا الشهر.
يجب التوقف عن تجاهل حقيقة أنّ الشرق الأوسط هو مسرح للحملات، أو أنّ المنافسة الإقليمية المركزية تدور بين الولايات المتحدة وإيران. والتوقف عن السماح لإيران بقيادة أجندتها!
الولايات المتحدة وشركاؤها يتخذون موقفًا دفاعيًا، بينما تتولى إيران وحلفاؤها الهجوم. بالنسبة لأولئك الذين يرفضون العيش في عالم تهيمن عليه طهران، على الولايات المتحدة وشركائها قلب الطاولة!
إنّ النجاح الدبلوماسي يتطلب ممارسة الضغوط وتقديم الفرص. ففي نهاية المطاف، سيتوقف العنف بين حماس وإسرائيل على الرغم من أنّ الأمر قد يستغرق أسابيع، على الأقل. فماذا عسانا نفعل؟ هل نعود لشرق أوسط ينتج بشكل منتظم المآسي التي تسوء في كل مرة أكثر وأكثر؟ هل نعود للسياسات القديمة نفسها والتي لا تؤدي إلا للنتائج غير المحتملة نفسها؟ دعونا نأمل العكس.
يقتضي الحلّ اعتماد الولايات المتحدة وشركائها سياسة بأوجه وطبقات متعددة، ما يعني ممارسة واشنطن أقصى قدر من الضغط على إيران ووكلائها، حتى بشكل أكثر حدة مما شهدناه في عهد ترامب. وعلى الرغم من أن هذا النهج قد يلحق ألماً حقيقياً في أماكن مثل لبنان، يرى المحايدون الذين لا يناصرون حزب الله، في التعاون معه ميزة عملية. كما يتوجب على الولايات المتحدة أيضًا استئناف الجهود التي لا تحظى بالكثير من الشكر ولكن التي لا مفر منها، لفتح مسارات تلبي التطلعات الفلسطينية. وبالتوازي، على شركاء الولايات المتحدة التصرف بحزم أكبر. وقد اعترف الرئيس بايدن بنفسه بأن اتفاق التطبيع الناشئ الذي يشمل المملكة العربية السعودية وإسرائيل والضمانات الأمنية الأميركية ربما تكون هي التي دفعت حماس لتنفيذ الهجوم. وفي حال كان الأمر كذلك، فهذا تأكيد على أن الوجود الدبلوماسي السعودي الحازم في بلاد الشام هو المطلوب لتحقيق التوازن مقابل التشدد الإيراني، وليس التسوية. ولكن ذلك ينطوي على مخاطر ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة العمل على تطوير استراتيجيات لتمكين شركائنا من التعامل معها. ومع توفير المساعدة لأصدقائنا في الخليج، لا بد من إيلاء اهتمام أكبر لاحتياجات أصدقائنا المحاصرين في المنطقة والذين يخاطرون بتحدي إيران ووكلائها.
هذه حربٌ يجب تفاديها.
مواضيع ذات صلة :
ونحن أيضاً أشلاء.. | اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك! | الجيش الإسرائيلي: قوات الفرقة 98 تواصل العمل في جنوب لبنان.. وهذا ما رصدته |